للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمولة على هيئة التَّرْبِيع فهذا شأن الطَّريقين، وكل واحد منهما جائز.

وحكى القاضي الرُّوياني عن بعض الأصحاب: أن الأفضل الجمع بينهما بأن يحمل تَارَةً هكذا وتارة هكذا، وإذا أراد الاقْتِصَار على أَحَدِهِمَا فأيتهما أفضل؟ المشهور في المذهب: أن الحمل بين العمودين أفضل. وعن أحمد: أن التَّربيع أفضل، وبه قال بعض أصحابنا. وعن مالك: أنهما سواء، وأشار صاحب "التَّقريب" إلى وجه يوافقه.

وقال أبو حنيفة: الحَمْل بين العمودين بدعة.

الثانية: المَشْي أمام الجنازة أفضل، وبه قال مالك، وروى مثله عن أحمد، ويروى عنه أنه إن كان راكباً صار خلفها، وإن كان راجلاً فقدَّامها. وقال أبو حنيفة: المشي خلفها أفضل. لنا ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ وأبا بَكْرٍ، وعُمَرَ -رضي الله عنهما- يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ" (١) والأفضل أن يكون قدَّامها قريباً منها بحيث لو التفت لرآها (٢)، ولا يتقدمها إلى المَقْبَرة، ولو تقدم لم يكره، ثم هو بالخِيَار إن شاء قام منتظراً لها، وإن شاء قعد؛ لما روي عن علي -رضي الله عنه- قال: "قَامَ رسول الله مَعَ الْجَنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ قَعَدَ بَعْدَ ذلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ" (٣). وقال أبو حنيفة وأحمد: يكره الجلوس حتى توضع الجنازة.

الثالثة: سُنَّة المشي بالجنازة الإسراع إلا أن يخاف من الأسراع تغيُّراً في الميت، فيتأنى بها، والإسراع فوق المشي المعتاد دُونَ الْخَبَب، روي أن النَّبي "سُئِلَ عَنِ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ، فَقَالَ دُونَ الْخَبَبِ فَإِنْ يَكُ خَيْراً عَجَّلْتُمُوهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ شَرّاً فُبُعْداً لِأَهْلِ النَّارِ" (٤). وإن خِيفَ عليه تغَيُّرٌ وانفجار زيد في الإِسْرَاع.


(١) أخرجه أبو داود (٣١٧٩)، والترمذي (١٠٠٧)، والنسائي (٤/ ٥٦) وأحمد (٢/ ٨، ٣٧، ١٢٢، ١٤٠) وابن حبان (٧٦٦، ٧٦٧، ٧٦٨)، والدارقطني (٢/ ٧٠)، والبيهقي (٤/ ٢٣) وانظر الخلاصة للبدر (١/ ٢٥٨).
(٢) وفيه نظر لأن الرواية تحصل مع البعد عنها والوجه الضبط بالقرب ويختلف ذلك قلة القوم وكثرتهم ولو تقدم عنها كثيراً بحيث لا يعده من رآه مشيعاً لها لم تحصل له فضل التشييع ويكره للنساء التشييع إذا لم يتضمن حراماً وقيل يحرم.
(٣) أخرجه البيهقي (٤/ ٢٧ - ٢٨)، ومسلم نحوه (٩٦٢) وقال الشافعي: هو أصح حديث في الباب، وناسخ لغيره.
(٤) أخرجه أبو داود (٣١٨٤)، والترمذي (١٠١١) وقال: غريب، وسمعت البخاري بضعفه، وابن ماجة (١٤٨٤) والبيهقي (٤/ ٢٢٢) وقال: حديث ضعيف، وفي إسناده مجهول وقال ابن الملقن (١/ ٢٥٩) وفي الصحيح من رواية أبي هريرة ما يغني عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>