للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافعي -رضي الله عنه-؛ لأنه لم ينقل عن أحد من السلف، وفيه تَضْييع المال.

وقال في "التهذيب": لا بأس به، إذ روى عن ابْن عبَّاس -رضي الله عنهما- "أنَّهُ جَعَلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَطِيفَة حَمْراء" (١).

ويكره أن يجعل في تَابُوت إلا إذا كانت الأرض رَخْوة أو نَدِيّة، ولا تنفذ الوصية به، إلاَّ في مثل هذه الحالة ثم يكون التَّابوت من رأس المال.

ثم إذا وقع الفراغ من وضع الميت نصب اللّبن علي فتح اللَّحد، روي عن سعد ابْنِ أبي وقّاص -رضي الله عنه- أنه قال: "اصْنَعُوا بِي كَمَا صَنَعْتُمْ بِرَسُولِ اللهِ برسول -صلى الله عليه وسلم- انْصُبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ وأَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ" (٢). وتسد فُرَجُ اللَّبنِ بِكَسْر اللّبن مع الطِّين أو بالإِذْخِر ونحوه، ثم يُحْثَى كل من دنا ثلاث حَثَيَات من التُّرَاب بيديه، ثم يهال بالمَسَاحِي روي أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- "حَثَى عَلَى الْمَيت ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ بِيَدَيْهِ جَمِيعاً" (٣). قال في "التَّتمة": ويستحب أن يقول مع الأولى: "منها خلقناكم" ومع الثّانية: "وفيها نعيدكم" ومع الثالثة: "ومنها نخرجكم تارة أخرى" (٤). وقوله في الكتاب: "ثم يُنْضَد اللبن" من التَّنْضيد، وهكذا ذكر إمام الحرمين، ولفظ الشافعي -رضي الله عنه- وعليه الأصحاب -رحمة الله عليهم- ينصب وهما جميعاً مؤديان للغرض.

قال الغزالي: وَلاَ يُرفَعُ نَعْشُ القَبْرِ إِلاَّ بِقَدْرِ شِبْرٍ وَلاَ يُجَصَّصُ، ولاَ يُطَيَّنُ، وَلا بَأْسَ بِالحَصَا وَوَضْعِ حَجَرٍ عَلَى رَأْسِ القَبْرِ لِلْعَلاَمَةِ، ثُمَّ التَّسْنِيمُ أَفْضَلُ مِنَ التَّسْطِيحِ مُخَالَفَةً لِشِعَارِ الرَّوَافِضِ.

قال الرافعي: المُسْتَحب أن لا يزاد في القَبْر على ترابه الذي خرج منه حتى لا يعظم شخوِصه عن الأرض، ولا يرفع نَعْشه إلا قدر شِبْر؛ لما روي عن جابر -رضي الله عنه- "أنَّهُ لُحِدَ لِرَسُولِ اَللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْباً، وَرُفِعَ قَبْرَهُ عَنِ الأَرْضِ قَدْرَ شِبْر" (٥). وعن القاسم بن محمد قال: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَقُلتُ يَا أُماه اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاثَةِ قُبُورِ لاَ مُشْرِفَةٍ ولا لاَطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ ببَطحَاءِ العَرْصَةِ الحَمْرَاءِ" (٦). وإنما يرفع نَعْشُ القبر ليعرف فيزاد ويحترم واستنثى في "التَّتِمَّة" ما إذا مات مسلم في بلاد الكفر. قال: لا يرفع قبره ويخفى كيلا


(١) أخرجه مسلم (٩٦٧).
(٢) أخرجه مسلم (٩٦٦).
(٣) أخرجه الدارقطني (٢/ ٧٦) والبيهقي وضعفه (٣/ ٤١٠) وله شاهد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند ابن ماجة (١٥٦٥) وفيه زيادة.
(٤) سورة طه، الآية ٥٥.
(٥) أخرجه البيهقي (٣/ ٤١٠).
(٦) أخرجه أبو داود (٣٢٢٠)، والحاكم صححه (١/ ٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>