قال الحرالّي: وسوى بين هذه المثوبة ومضمون الرسالة في كونهما من عند الله تشريفًا لهذه المثوبة، وإلحاقًا لها بالنمط العلي من علمه وحكمته، ومضاء كلمته، انتهى.
ويجوز أن يكون قوله:{ولو أنهم آمنوا} تمنيًا لإيمانهم على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم واختيارهم له، كأنه قيل: وليتهم آمنوا، ثم ابتدأ {لمثوبة من عند الله خير}، وقال الشيخ "برهان الدين البقاعي" في كتابه "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور": وهذه المثوبة عامة لما يحصل في الدنيا والأخرى من الخيرات، التي منها ما يعطيه الله لصالحي عباده، من التصرف بأسماء الله الحسنى على حسب ما تعطيه مفهوماتها من المنافع، ومن ذلك واردات الآثار، ككون الفاتحة شفاء، وآية الكرسي حرزًا من الشيطان، ونحو ذلك من منافع القرآن والأذكار والتبرك بآثار الصالحين ونحوه.
ثم أكد الخبر بقوله:{لو كانوا يعلمون}. جواب {لو} محذوف، تقديره:{لو كانوا يعلمون} لكان تحصيل المثوبة خيرًا، يعني: سبب المثوبة وهو الإيمان والتقوى، وقيل: المعنى {لو كانوا يعلمون} بعلمهم، ولما انتفت ثمرة العلم الَّذي هو العمل جعل العلم منفيًا.
وقال:"علي بن أحمد بن الحسن التجيبي الحرالّي" بتشديد اللام، المغربي نزيل "حماة" في كتابه "مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل": في قوله تعالى: {لو كانوا يعلمون} إشعار برتبة من العلم أعلى وأشرف من الرتبة التي كانت تصرفهم عن أخذ السحر، لأنَّ تلك الرتبة تزهد في علم ما هو شر، وهذه ترغّب في منال ما هو خير، وفيه بشرى لهذه الأمة، بما في كتابهم من قبول هذا العلم الَّذي هو علم الأسماء، ومنافع القرآن يكون لهم عوضًا من علم السيمياء الَّذي هو باب من السحر، وعساه أن يكون من نحو المنزل على الملكين.
قال - صلى الله عليه وسلم -: "من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس بابًا من السحر، زاد ما زاد"(١)
(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" (٦٠٧٤) للألباني بترتيبي.