للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صبركم عنهن، وصعب عليكم اجتنابهن، فلذلك رخص لكم في مباشرتهن، وقد تضمنت هذه الآية ثلاثة أنواع من البيان:

الطباق المعنوي بقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ} فإنه يقتضي تحريمًا سابقًا، فكأنه قال: {أُحِلَّ لَكُمْ} ما حرم عليكم من قبل، أو ما حرم على من قبلكم.

والكناية بقوله {الرَّفَثُ} الذي هو كناية عن الجماع.

والاستعارة البديعة في قوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ}، وأفرد اللباس لأنه كالمصدر، تقول: لابست ملابسة ولباسًا.

وإنما قلنا: {أُحِلَّ لَكُمْ} ما حرم عليكم من قبل .. إلى آخره، إشارة إلى اختلاف المفسرين في هذه، وذلك أن جمهور المفسرين، ذهب إلى أنه كان في أول أمر شرعنا، أن الصائم إذا أفطر، حلّ له الأكل والشرب والجماع، بشرط أن لا ينام وأن لا يصلي العشاء الأخيرة، فإذا فعل أحدهما حرم عليه هذه الأشياء، ثم إن الله تعالى، نسخ ذلك بهذه الآية.

وقال أبو مسلم الأصفهاني: لم تكن هذه الحرمة ثابتة في شرعنا البتة، بل كانت ثابتة في شرع النصارى، والله تعالى نسخ بهذه الآية ما كان ثابتًا في شرعهم، وبنى أبو مسلم ذلك على أصله الذي أصَّله، وهو أنه لم يقع في شرعنا نسخ البتة، وهذه الآية نفسها ترد على ما ادعاه، لأن قوله: {أُحِلَّ}، لو كان لشيء ثابت لهذه الأمة من قبل، لم يكن له فائدة.

وأصرح من هذه، قوله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}، يدل على أنه، لو كان ذلك حلالًا لهم، لما كان بهم حاجة إلى أن يختانوا أنفسهم، وأيضًا لولا أن ذلك كان محرمًا عليهم، وأنهم أقدموا على المعصية بسبب الإقدام على ذلك الفعل، لما صح قوله: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}. وأيضًا لو كان الحلّ ثابتًا قبل ذلك، كما هو الآن، لم يكن لقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} فائدة.

<<  <   >  >>