للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} تظلمونها، وتنقصونها حظها من الخير. والاختيان مأخوذ من الخيانة، كالاكتساب من الكسب، فيه زيادة وشدة، {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور.

أو المعنى: خفف عنكم بالرخصة والإِباحة، فيكون كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: ٢٠]. أي: خفّف عنكم.

{وَعَفَا عَنْكُمْ} يحتمل أن يريد عن المعصية بعينها، فيكون تأكيدًا وتأنيسًا، زيادة على التوبة، ويحتمل أن يراد، عفا عما كان ألزمكم من اجتناب النساء، بمعنى: تَرَكَه لكم، كما تقول: شيء معفو عنه، أي: متروك.

{فَالْآنَ} أي: فالوقت الذي كان يحرم عليكم فيه الجماع من الليل؛ {بَاشِرُوهُنَّ} أي: جامعوهن {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} واطلبوا ما قسم الله لكم من الولد، أي: لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها، ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل.

وقال السمرقندي: {ابْتَغُوا} بالقرآن {مَا} أبيح {لَكُمْ} منه، والحق: أن معناه، واطلبوا جميع معاني الخير المطلوبة، لكن أشبه المعاني بظاهر الآية، أن يكون: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} من الولد، لأنه جاء عقيب قوله: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}. {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} أي: إلى أن يتبين لكم {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} هو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق، كالخيط الممدود {مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ما يمتد معه من غبش الليل، شبها بخيطين أبيض وأسود؛ وتشبيههما بالخيط معروف في كلام العرب. قال أبو دؤاد (١):

فلما أضاءت لنا سُدْفةٌ ... ولاح من الصبح خيطٌ أنارا

وعليه فيكون المعنى: {وَكُلُوا} بالليل في شهر صومكم {وَاشْرَبُوا}،


(١) هو لأبي داؤد الإيادي من قصيدة يصف بها فرسًا. كما في "زاد المسير في علم التفسير" ٢/ ٧٤.

<<  <   >  >>