المهلكة، وهم في أثناء ذلك يزاولون غمرات الموت، حصل في نفسك هيئة عجيبة، توصلك إلى معرفة حال المنافقين، على وجه يتقاصر عنه تشبيهك الدين بالصيب، والشبهات بالظلمات، والرعد والبرق، بالوعد والوعيد، والتكاليف الشاقة. قال السكاكي:"كلما كان التركيب خياليًا أو عقليًا، من أمور أكثر، كان حاله في البعد والغرابة أقوى"، والتمثيل في هذه الآية أدل على فرط الحيرة، وشدة الأمر وفظاعته من التمثيل الأول، جريًا على قوانين البلاغة في التدرج في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ، وإنما أردف الصيب بقوله:{من السماء}، وهو لا يكون إلا من جهتها، لأنه لما صح إطلاق لفظ سماء على كل ناحية وأفق منها، جيء بها هنا معرفة باللام لتفيد العموم، ويدل على أنه غمام مطبق أخذ بآفاق السماء، ولو نكرت لجاز أن يكون الصيب من بعض الآفاق، لأن كل أفق من آفاقها سماء، ولما كان قوله:{أو كصيب}، معطوفًا على ما قبله، حذف لفظ المثل إيجازًا واختصارًا، والتقدير: أو كمثل صيب، أي: ذوي صيب نازل {من السماء فيه ظلمات}، جمع ظلمة؛ والسحاب إذا كان أسود مطبقًا، فظلماته: سواده وتطبيقه، مضمومة إليهما ظلمة الليل، والمطر إذا تكاثف كانت له ظلمة، ويزيدها تهطاله وانسجامه بتتابع القطر، وتشتد بإظلال الغمامة مع ظلمة الليل، ولهذا أتى بلفظ الظلمات بالجمع.