للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل يجري في جحود كُلِّ حكم مجمع عليه (١).

والثاني: أنْ يتركها غير جاحد، وهو ضربان:

أحدهما: أن يترك بعذر من نوم أو نسيان فعليه القضاء لا غير، ووقت القضاء موسع.

والثاني: أن يترك من غير عذر بل كَسَلاً أو تهاوناً بفعلها، فلا يحكم بكُفْرِه خلافاً لأحمد، وبه قال شِرْذَمة من أصحابنا، حكاه الحَنَّاطي وصاحب "المهذب" وغيرهما.

لنا ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئاً كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّة، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْد، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الجَنَّةَ" (٢). ويشرع القتل في هذا القسم حدًّا، وبه قال مالك خلافاً لأبي حنيفة حيث قال في رواية: لا يتعرض لتارك الصلاة، فهي أمانة بينه وبين الله -تعالى- وحده والأمر فيها موكول إلى الله -تعالى-.

وقال في رواية: إنه يحبس ويؤدب حتى يصلّي، وبه قال المزني. لنا ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذَّمَةُ" (٣)؛ ولأنها ركن من الخمسة لا يدخلها النِّيابة ببدن ولا مال، فيقتل تاركه كالشَّهادتين. إذا عرف ذلك نُفَرِّع عليه مسائل:

إحداها: في عدد الصَّلاة المستحق بتركه القَتْل، وظاهر المَذْهَب اسْتِحْقَاق القَتْلِ بترك صلاة واحدة، فإذا تضيق وقتها طالبناه بفعلها، وقلنا له: إن أخرتها عن وقتها قتلناك، فإذا أخَّرها فقد اسْتَوْجَبَ القتل، ولا يعتبر بضيق وقت الثَّانية، وبهذا قال مالك.


(١) قال النووي: أطلق الإمام الرافعي القول بتكفير جاحد المجمع عليه، وليس هو على إطلاقة، بل من جحد مجمعاً عليه فيه نص؛ وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام، كالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو تحريم الخمر، أو الزنا، ونحو ذلك، فهو كافر. ومن جحد مجمعاً عليه لا يعرفه إلا الخواص، كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب، وتحريم نكاح المعتدة، وكما إذا أجمع أهل عصر على حكم حادثة، فليس بكافر للعذر، بل يعرف الثواب ليعتقده. ومن جحد مجمعاً عليه، ظاهراً لا نص فيه. ففي الحكم بتكفيره خلاف يأتي -إن شاء الله تعالى- بيانه في باب الردة، وقد أوضح صاحب "التهذيب" القسمين الأولين في خطبة كتابه -والله أعلم- انظر الروضة (١/ ٦٦٧).
(٢) أخرجه مالك في الموطأ (١/ ١١٠ - ١١١)، والنسائي (١/ ٢٣٠)، وأبو داود (٤٢٥)، وابن ماجة (١٤٠١)، وابن حبان ذكره الهيثمي في الموارد (٢٥٢) وإسناده صحيح قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت.
(٣) أخرجه ابن ماجة (٤٠٣٤) من حديث أبي الدرداء. وانظر التلخيص (٢/ ١٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>