واحتج له بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مُتَعَمِّداً فَقَدْ كَفَرَ"(١) أي: استوجب ما يستوجبه الكَافِر. وهذا قد تَرَكَ صلاة، وُيحْكَى عن أبي إسحاق أنه إنما يستوجب القَتْل إذا ضاق وقت الثَّانية وامتنع عن أدائها. وعن الإصْطَخُري أنه لا يقتل حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة، ويمتنع من أدائها هذه هي الرواية المشهورة عنه. وفي "النهاية" روايتان أخريان عن الإصْطَخْرِي.
إحداهما: أنه إنما يستوجب القَتْلَ إذا ترك أربع صلوات، ويمتنع عن القَضَاءِ.
والثَّانِية: أنه لا تَخْصِيص بعدد، ولكن إِذَا ترك من الصَّلوات قدر ما يظهر لنا به اعتياده الترك وتهاونه بأمر الصلاة فحينئذ يقتل، وقد نقل صاحب "الإفصاح" هذا وجهاً لبعض الأصحاب، وإن لم ينص على قائله، والمذهب الأول والاعتبار بإخراج الصلاة عن وقت العذر والضرورة، فإذا ترك الظهر لم يقتل حتى تغرب الشّمس، وإذا ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر، حكاه الصَّيدلاني وتابعه الأئمة عليه.
الثانية: على اخْتِلاَف الوُجُوه لا بدَّ من الاسْتِتَابة قبل القتل، فإنه ليس بأشدِّ حالاً من المرتدّ والمرتد يستتاب، وهل تكفي الاستتابة في الحال أم يمهل ثلاثاً؟ فيه قولان كما سيأتي ذكرهما في استتابة المرتدِّ، واختار المزنيّ للشَّافعي -رضي الله عنه- أنه لا يمهل، وذكر في "العدة" أنه المذهب، والقولان في الوُجُوب أَوْ فِي الاسْتِحبَاب، حكى المعلق عن الشيخ أبي محمد فيه طريقين: أصحهما: أنهما في الاستحباب.
الثالثة: الظاهر أنه يقتل صبراً بالسَّيف كالمرتد، وهو الذي ذكره في الكتاب.
وعن صاحب "التلخيص": أنه ينخس فيه حديدة، ويقال: قم فصل، فإن قام ترك، وإلا زيد في النخس حتى يصلِّي أو يموت، لأن المقصود حمله على الصَّلاة، فإذا فعل فذاك، وإلا عُوقِبَ كما يعاقب الممتنع من سائر الحُقُوق ويقاتل. ويروى مثل هذا عَن ابْنِ سريج، ويروى عنه أنه يضرب بالخَشَبِ حتى يصلّي أو يموت.
الرابعة: إذا قتل غسل وصلى عليه، ودفن في مقابر المسلمين، ولا يُطْمَس قبره كسائر أصحاب الكبائر إذا حدوا وقد حكينا من قبل عن صاحب "التلخيص": أنه لا يصلّى عليه ولا يغسل، وإذا دفن في مقابر المسلمين طمس قبره حتى ينسى ولا يذكر، وإن أَرَادَ الإمامُ المُعَاقَبَةَ عَلَى تَرك الصَّلاة فقال قَد صَلَّيْتُ في بيتي صدق. وإذا عرفت ما ذكرنا أعلمت قوله في الكتاب:"قتل" بالحاء والزاي. وقوله:"بالسيف" بالواو.
وقوله:"كما يدفن سائر المسلمين" بالواو، وكذا قوله: "ويصلى عليه ولا يطمس
(١) أخرجه البزار من حديث أبي الدرداء، وفي إسناده ضعف. انظر التلخيص (٢/ ١٤٨).