قال الرافعي: الماشية إمَّا أن تكون كلها أو بعضها في سِنِّ الفرض أو لا يكون شيء منها في تلك السِّنِّ، وحينئذ إِمَّا أَنْ تكون في سنِّ فوقها أو دونها، فهذه ثلاث أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون كلها أو بعضها في سن الفرض، فيؤخذ لواجبها ما في سِنِّ الفرض ولا يؤخذ ما دونه ولا يكلف بما فوقه. أما الأول فللنصوص المقتضية لوجوب الأَسْنَان المقدّرة. وأما الثاني فلما فيه من الإِجْحَاف والإضرار بالمالك.
وقد روي أن عمر -رضي الله عنه- قال لساعين سفيان بن عبد الله الثقفي -رحمه الله-: "اعتد عليهم بالسَّخلة التي يروح بها الرّاعي على يده ولا تأخذها ولا تأخذ الأَكُولَة والرُّبَّى والمَخَاض ولا فحل الغنم، وخذ الجذعة والثنية، فذلك عدل بين غذاء المال وخياره"(١). الأكولة: هي المُسمنة للأكل في قول أبي عبيدة.
وقال شمر: أكولة غنم الرجل الخصي، والهَرِمَة: العاقر، والرُّبَى: هي الشاة الحديثة العهد بالنِّتَاج، ويقال: هي في رِبَائِهَا كما يقال: المرأة في نِفَاسِهَا، والجمعُ رُباب بالضّم، والماخض: الحامل، وفحل الغنم: الذكر المعدّ للضّرَاب والغذَاء السخال الصغار، جمع غذي وهذه التي فسَّرناها لو تبرَّع بها المالك أخذت إلا فحل الغنم، ففيه ما ذكرنا في أخذ الزكاة.
الحالة الثانية: أن تكون كلّها في سن فوق سن الفرض فلا يكلَّف بإخراج شيء منها بل يحصِّل السِّن الواجب ويخرجها، وله الصعود والنزول كما في الإبل كما سبق.
والحالة الثالثة: أن يكون الكلّ في سن دونه، وقد يستبعد تصوير الحالة ببادى الرأي، فيقال لا شك أن المراد من الصّغر هو الانْحِطاط عن السِّن المجزئة، ومعلوم أن أحد شروط الزكاة الحَوْل وإذا حال الحول فقد بلغت الماشية حدَّ الإجزاء، والأصحاب صوروها فيما إذا حدثت من الماشية في أثناء الحَوْل فَصْلان أو عجُول أو سخَال ثم ماتت الأمهات كلها وتم حولها وهي صغار بعد، وهذا مبني على ظاهر المذهب في أن الحول لا ينقطع بموت الأمهات بل تجب الزكاة في النِّتَاج إذا كان نِصَاباً عند تمام حول الأصل، وبه قال مالك، وذهب أبو القاسم الأَنْمَاطِيُّ من أصحابنا إلى أن الأمهات مَهْمَا نقصت عن النِّصاب انقطع حَوْل النِّتاج فضلاَ من أن لا يبقى منها شيء، فعلى قوله: لا تتصور هذه الحالة الثالثة من هذا الطريق، وكذلك لا يتصور عند أبي حنيفة -رحمه الله-؛ لأنه شرط
(١) أخرججه مالك في الموطأ (١/ ١٩٩) وأبو داود منقطعاً (٢/ ٢٣٩ - ٢٤٠) والبيهقي متصلاً (٤/ ٩٥).