قال الرافعي: إنما جعل أسباب الضّعف ثلاثة لأن الملك إما أن لا يكون مستقرًّا وهو السَّبب الثالث أو يكون مستقراً. فإما أن يتسلط الغير على إزالته وهو السبب الثاني أو لا يتسلط. فأما أن تمتنع فيه التصرفات بكمالها وهو السبب الأول أو لا تمتنع فلا ضعف، وممّا يجب معرفته أن اعتبار هذا الشرط مختلف فيه، فإن في مسائله كلها اختلاف قول أو وجه على ما سيأتي. إذا تقرر ذلك ففي الفصل مسائل:
إحداها: لو ضَلَّ ماله أو غصب أو سرق وتعذَّر انتزاعه أو أودعه عند إنسان فجحده أو وقع في بحر، فهل تجب فيه الزكاة. قال في "باب صدقة الغنم": "ولو ضلت غنمه أو غصبها أحوالاً ثم وجدها زكَّاها لأحوالها" وقال في "باب الدَّين مع الصدقة": "ولو جحد ماله أو غصبه أو غرق فأقام زماناً ثم قدر عليه فلا يجوز فيه إلا واحد من قولين أن لا يكون عليه زكاة حتى يحول الحول عليه من يوم قبضه؛ لأنه مغلوب عليه أو يكون عليه الزكاة؛ لأن ملكه لم يَزُل عنه". واختلف الأصحاب على ثلاث طرق:
أحدها: أن المسألة على قولين:
أحدهما وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-: أنه لا زكاة في هذه الأموال لتعطُّل نمائها، وفائدتها عليه بسبب خروجها من يده، وامتناع التصرف فيها فأشبهت مال المكاتب لا تجب الزكاة فيها على السّيد.
وأصحهما: الوجوب لملك النصاب وحولان الحول وعبر أصحابنا العراقيُّون وغيرهم عن هذا القول بالجديد، وعن الأول بالقديم وعن أحمد روايتان كالقولين.
وأصحهما: الوجوب. وقال مالك: تجب فيها زكاة الحَوْل الأَوَّلِ دون سائر الأحوال. والطَّرِيق الثاني: أنه تجب الزَّكاة فيها قولاً واحداً، ومن قال بهذا حمل ما ذكره من التَّرْدِيد على الرَّدِّ على مالك، فقال: أراد الشَّافعي -رضي الله عنه- أن لا يتوجَّه إلا وجوب زكاة جميع الأحوال كما قلت لاستمرار الملك أو نفيها على الإطلاق كما قال أبو حنيفة. أما الفصل بين السنة الأولى وغيرها فلا سبيل إليه.