وطرد الخِلاَف فيها. ومنها: لو غصب سَائِمَةٌ وعلفها فيخرج أولاً على أنه لو لم يَعْلِفْهَا، هل كان تجب الزكاة فيها أم لا تجب لكونها مغصوبة؟ وفيه خلاف يأتي في الفصل التّالي لهذا الفصل. فإن قلنا: لا زكاة في المَغْصُوب فلا شيء فيها.
وإن قلنا: تجب الزكاة في المغصوب فهاهنا وجهان:
أحدهما: تجب؛ لأن فعل الغَاصِب عديم الأثر في تَغْيير حُكْمِ الزكاة، أَلاَ تَرى أنه لو غصب ذهباً وصاغه حُلياً لا تسقط الزكاة؟
والثَّاني: لا تجب لفوات شرط السّوم كما لو ذبح الغاصب بعض الماشية وانتقص النّصاب وهذا أصح عند الأكثرين، وفصل الشَّيخ أبو محمد، فقال: إن علفها بعلف من عنده فالأظهر أن حكم السوم لا ينقطع؛ لأنه لا يلحق مؤنة بالمالك، ولو كان الأمر بالعكس فغصب معلوفة وأَسَامَهَا، إن قلنا: لا زكاة في المغصوب، فذاك، وإن قلنا: تجب فوجهان:
أحدهما: تجب لحصول الرّفق وخفّة المؤنة، وصار كما لو غصب حِنْطَة وبذرها يجب العشر فيما ينبت منها.
وأظهرهما: لا تجب؛ لأن المالك لم يقصد الإِسَامَة وشبّهوا ذلك بما إذا رَتَعَتِ الماشية بنفسها، لكن الخلاف يجري فيه على أحد الطَّريقين كما سبق، وإذا أوجبنا الزَّكاة فقد حكى في "التَّهْذيب" وجهين في أنها تجب على الغَاصِب، لأنها مؤنة لزمت بفعله أو على المالكّ؛ لأن نفع خفّة المؤنة عائد إليه. ثم حكى على هذا وجهين آخرين في أنه إذا أخرج المالك بزكاة، هل يرجع بها على الغاصب.
وقوله في الكتاب:"فإن أوجبنا الزَّكَاة في معلوفة أسامها الغاصب، ففي رجوعه بالزكاة على الغاصب وجهان، أراد به إن أوجبناها على المالك وجه عدم الرجوع أن سبب الزكاة ملك المال ووجه الرجوع، وهو الأظهر أنه لولا فعل الغاصب لما وجبت الزكاة. وقطع صاحب "التتمة" بالرجوع ورد الخلاف إلى أنه هل يؤمر الغاصب بالإخراج أم يخرج المالك ثم يغرم له الغاصب؟ وذكر في "النهاية" وجهين في أنا إذا أثبتنا الرُّجوع للمالك، هل يرجع قبل إخراج الزَّكَاة أم يخرج ثم يرجع؟ واعلم: أن البخاري على قياس المذهب لمن أوجب الزكاة هاهنا أن يوجبها على المالك ثم يغرم له الغاصب. أما إيجاب الزكاة على غير المالك فبعيد وإن كنا نوجب عليه ابتداء فيجب أن يوجب أيضاً، إن قلنا: لا تجب الزكاة في المغصوب.