للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن تم حوله أخذ زكاته، ومن لم يتمَّ حوله فيستحب له أن يعجل، فإن لم يفعل استخلف عليه من يأخذ زكاته، وإن شاء أخر إلى مجيئه من قابل، وإن وثق به فوض التَّفْريق إليه وأن يأخذ زكاة المواشي إنْ كانت تَرِدُ الماء أخذها على مياههم، ولا يكلفهم ردّها إلى البلد، ولا يلزمه أن يتبع المراعي، وبهذا فسر قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنْبَ" (١) أي: لا يكلفون أن يجلبوها إلى البلد، وليس لهم أن يجنبوها السّاعي، فيشقوا عليه، فإن كان لِرَبِّ المال ماء أن أمره بجمعها عند أحدهما، وإن اجتزأت الماشية بالكَلَأَ في وقت الربيع ولم ترد الماء أخذ الزكاة في بيوت أهلها وافنيتهم، هذا لفظ الشّافعي -رضي الله عنه- وقضية تجويز تكليفهم الرد إلى الأفنية، وقد صرح به المُحَامليُّ وغيره (٢)، وإذا أراد معرفة عددها فإن أخبره المالك وكان ثقة قبل قوله، إلاَّ أحصاها، والأوْلَى أن تجمع في حظيرة ونحوها وينصب على الباب خشبة معترضة وتساق لتخرج واحدة بعد واحدة، ويثبت كل شاة إذا بلغت المضيق، ويقف رب المال أو نائبه من جانب، والساعي أو نائبه من جانب، وبيد كل واحد منهما قضيب يُشِيْرَان به إلى كل شاة أو يصيبان ظهرها به، فذلك أبعد عن الغلط وإن اختلفا بعد الإحصاء وكان الوَاجب يختلف أعاد العدّ.

وقوله: "قريب من المَرْعَى" فيه إشارة إلى أنه لا يكلفهم الرَّدّ من المرعى إلى البلدة والقرية، بل يأمر بجمعها في مضيق قريب من المَرْعَى، فإن عمر الحضور فقد ذكرنا أنه يأمر بالرد إلى الأفنية -[والله أعلم]-.

قال الغزالي: وَيُسْتَحَبْ أَنْ يَقُولَ لِلْمُؤَدِّي: آجَرَكَ اللهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُوراً وَبَارَكَ لَكَ فيمَا أَبْقَيْتَ، وَلاَ يَقُولَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، وَإنْ قَالَهُ علَيْهِ السَّلاَمُ لاَلِ أبي أَوْفَى لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ فَلَهُ أَنْ يُنْعِمَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَمَا لاَ يُقَالُ: مُحَمَّدٌ عَزَّ وجَلَّ وَإن كَانَ عَزِيزاً جَلِيلاً فَلاَ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: أَبُو بَكرٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَإن كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ آلِهِ تَبَعاً.


(١) أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (١٥٩١، ١٥٩٢) والترمذي (١١٢٣) والنسائي (٦/ ١١٠ - ١١١، ٢٢٧، ٢٢٨) وأحمد (٤/ ٤٩، ٤٤٣)، وابن ماجه (٣٩٣٧) وذكره الهيثمي في الموارد (١٢٧٠).
(٢) وكذا الشيخ أبو حامد في تعليقه قال: وعلى رب المال أن يوردها الأفنية ليأخذ الصدقة هناك. وعبارة أبي الطيب في الموضع الذي تروح. وقال الماوردي: إن وجدها في بيوت أهلها أخذ زكاتها هناك، وإن وجدها على مياه أهلها لم يكلف ردها إلى البيت، ويأخذ زكاتها على ما سرحها، وإن وجدها راعية لم يكلف الساعي يتبعها في الرعي، ولا يكلف المالك ردها إلى فناء داره بل عليه جمعها على الماء لأنه أرفق بها. (قاله في الخادم).

<<  <  ج: ص:  >  >>