قال الرافعي: سقوط الزَّكَاة بتلف النِّصَاب بعد الحول وقبل التَّمكن يشعر بأن الزكاة متعلَّقة بالنصاب غير مسترسلة في الذمة فلما جرى ذكر هذه المسألة حسن البحث عن وجه ذلك التعلق، والوجه أن نشرح ما أورده في الكتاب ثم نذكر ما ينبغي أن يعرف. فأما ترتيب ما في الكتاب فهو: أن للشافعي -رضي الله عنه- قولين في كيفية تعلق الزكاة.
أحدهما: أنها في الذمة ولا تعلق لها بالعَيْن، لأنها عبادة وجبت ابتداء من جهة الشَّرْع فتتعلق بالذمة كالحج وصدقة الفطر وكذلك الكفارات.
والثاني: أنها تتعلّق بالعَيْن. لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "في أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ"(١). وعلى هذا ففي كيفية التعلّق قولان:
أحدهما: أن أهل السُّهْمَان يصيرون شركاء لربِّ المال في قدر الزَّكَاة؛ لأن الواجب يتبع المال في الصِّفة حتى يؤخذ من المراض مريضة ومن الصحاح صحيحة؛ ولأنه لو امتنع من إخراج الزَّكَاة أخذها الإمام من عين النّصاب قهراً كما يقسم المال المشترك قهراً، إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة.
والثاني: أنه يتعلق بالمال تعلق اسْتِيثَاق؛ لأنه لو صار مشتركاً لما جاز لربِّ المال الإخراج من موضع آخر كما لا يجوز للشَّريك أداء حق الشَّرِيك من غير مال الشّركة، وعلى هذا ففي كيفية الاسْتِيثَاق قولان:
أحدهما: أنه يتعلَّق به تعلّق الدَّين بالرهن، بدليل أنه لو امتنع من أداء الزكاة ولم يوجد السن الواجبة في ماله كان للإمام بيع بعض النصاب وشراء السن الواجبة كما يباع المرهون لقضاء الدِّين.
والثاني: أنه يتعلق به تعلق الأَرْش برقبة العبد الجاني؛ لأنه يسقط الواجب بهلاك النّصاب، ولو كان تعلُّقُها كتعلق الدين بالمرهون لما سقطت، ويخرج من ذلك عند الاختصار أربعة أقوال كما ذكر في الكتاب، ويجوز أن يُعَلَّم قوله:"فيه أربعة أقوال" بالواو؛ لأن إمام الحرمين ثم صاحب "البيان" حكياً عن ابْنِ سُرَيجٍ أنه لا خلاف في تعلقها بالعَيْن، وإنما التردد في كيفية التعلّق فتعود الأقوال على هذه الطريقة إلى ثلاثة.
(١) أخرجه الترمذي (٦٢١) وفي معناه حديث أنس المقدم.