وعند مالك -رحمه الله- تتعلّق الزكاة بالعَيْن تعلق استحقاق وشركه ذلك أن تعلّم ما عدا هذا القول بالميم. وعند أبي حنيفة -رحمه الله- فيما رواه الصَّيدلانيّ وصاحب "الشامل" تتعلق تعلق الأَرْش برقبة الجاني، وهو إحدى الروايتين عن أحمد -رحمه الله تعالى- فيجوز أن يعلّم ما عدا هذا القول بالحاء والألف، واعرف بعد هذا أموراً:
أحدها: أن عامة مشايخنا -رحمهم الله- لم يُوردوا إلاَّ قول الذِّمة وقول الشركة، وقالوا: الأول: قديم، والثاني: وهو الجديد الصحيح، واعتذروا عن جواز الإبدال استقلالاً بأن أمر الزَّكَاة مبني على المُسَاهلة والإرفاق، فيحتمل فيه ما لا يحتمل في سائر الأموال المشتركة، وصاحب الكتاب رجح القول الرابع، وهو أن تعلق الزكاة كتعلق الأَرْش فيجوز أن يقال: الكلامان مختلفان فيما هو الأصح في المسألة، ويجوز أن يقال: إنهم حكموا بكون الشَّركة أصح من قول الذمة، ولا يلزم منه أن يكون أصح على وجه الإطلاق، والأول أظهر.
والثاني: أن إيراد الكتاب يقتضي كون الوجوب في الذمة قولاً برأسه، وتعلّق الرهن قولاً برأسه، وكذا نقل الإمام لكن العراقيين والصيدلاني والقاضي الرُّوياني والجمهور جعلوا الأمرين قولاً واحداً، فقالوا: إنها تتعلق بالذمة والمال مرتهن بها. وجمع صاحب "التَّتمة" بين الطريقين، فحكى وجهين في أنَّا إذا قلنا: بتعلّقها بالذمة، هل يجعل المال خلو أو نقول: هو رهن بها؟ والثالث: أنَّا إذا قلنا بثبوت استيثاق المرتهن أو قولاً برأسه أو جزءاً من قول الذِّمة، فهل يجعل جميع المال مرهوناً بها أو يخص قدر الزكاة بالرهن بها؟ فيه وجهان سنفرع عليهما، وكذا الخلاف إذا قلنا بثبوت تعلق كتعلق الأَرْش في أنه يتعلق بجميع النصاب أم بقدر الزكاة. وجميع ما ذكرناه فيما إذا كان الواجب من جنس المال. وأما إذا كان من غير جنسه كالشاة الواجبة في الإبل ففيه طريقان مذكوران في "التتمة" وغيرها:
أحدهما: القطع بتعلقها بالذمة لتغاير الجنس.
وأظهرهما: أنه على الخلاف السابق (١)، أما الاستيثاق فلا يختلف، وأما الشركة
(١) ويشهد للطريقة الأولى الشافعي حيث نص في "الأم" على أن الزكاة في هذه الصورة تتعلق بالذمة والعين مرتهنة، لأن الواجب ليس من جنس المال حتى انقضى لوجوبه في النصاب. كذا حكاه البندنيجي والروياني. نعم حكي في البحر في موضع آخر أن القفال حكى مع ذلك قولاً آخر أن تعلقها بالعين كتعلق أرض الجناية برقبة العبد، وهذا ما صححه البندنيجي والروياني في الوجيز وتابعه الرافعي، وقال في "التتمة": إن اختيار القفال موجه له، فإنه لو أخرج الإخراج مدة حتى تجب الأعيان كلها لم يكن النتاج للفقراء كمال الجارية الجانية إذا ولدت لا يتعدى للولد حق الجناية.