الشبه أن قراءة الفاتحة وإن كانت ركنا لكنها ليست قائمة بنفسها كالرُّكُوعِ والقيام ونحوهما وإنما هي زينة وتتمة للقيام. كذلك الترتيب زينة وهيئة في سائر الأركان.
الثالث: الوضوء نوعان:
أحدهما: وضوء من يتقن أن حدثه الأصغر، فيعتبر فيه الترتيب.
والثاني: وضوء من يجوز أن يكون حدثه الأكبر، ونظيره ما إذا خرج منه بلل واحتمل أن يكون مَنِيّاً، واحتمل أن يكون مَذْياً ففيما يلزمه وجوه:
أحدها: أنه يجب عليه الوضوء؛ لأن غسل ما زاد على الأعضاء الأربعة مشكوك فيه، والمستيقن هذا القدر؛ وعلى هذا الوجه لو عدل إلى الغسل كان كالمحدث يغتسل بدلاً عن الوضوء.
والثاني: يجب عليه الوضوء وغسل سائر البدن وغسل ما أصابه ذلك البلل؛ لأن شغل ذمته بإحدى الطهارتين معلوم وصلاته موقوفة على الطهارة التي لزمته فعليه الإتيان بهما ليخرج عن العهدة بيقين.
والثالث: وهو الأصح أنه يتخير بين أن يغتسل أخذاً بأنه مني، أو يتوضأ أخذاً بأنه مَذيٌ, لأن كل واحد منهما محتمل، فإذا أتى بموجب أحدهما وجب أن تصح صلاته؛ لأن لزوم الآخر مشكوك فيه، والأصل العدم، وهذا الوجه هو الذي ذكره في الكتاب.
وليكن قوله:"فإن شاء""وإن شاء" مُعْلَمَيْنِ بالواو؛ إشارة إلى ما روينا من الوجهين، ثم على الوجه الأظهر لو توضأ وجب أن يغسل ما أصابه ذلك البَلَل من ثوب وغيره؛ لأنه على التقدير الذي يجب الوضوء، يكون ذلك الخارج نجساً، وفيه وجه: أنه لا يجب غسل الثوب، وهو ضعيف، ولا بد أن يكون الوضوء المَأْتِيُّ به مرتباً.
وفيه وجه: أنه لا يجب الترتيب؛ لأنه إذا شك في كونه منياً، أو غيره فقد شك في أن الواجب الطهارة الصغرى أو الكبرى، والترتيب من خاصية الطهارة الصغرى، فلا يجب بالشك؛ كما لا يجب ما يختص بالطهارة الكبرى، وإنما يجب المشترك بينهما، ويقال: كان القفال يقول بهذا الوجه، ثم رجع إلى الأول، وهو المذهب؛ لأنه إما مَنِي، فموجبه الغسل، أو غيره فموجبه الوضوء بأركانه، فإذا لم يرتب الوضوء، ولا اغتسل، فقد صلى مع أحد المحدثين يقيناً. ويجري هذا الخلاف فيما إذا أوْلَج خُنْثَى مشكل في دبر رجل، فهما بتقدير ذكورة الخنثى جنبان، وإلا فمحدثان، فالجَنَابَةُ محتملة غير مُسْتَيقَنةٍ، فإذا توضأ وجب عليهما المحافظة على الترتيب في ظاهر المذهب.
وفي وجه: لا يجب؛ لأن لزوم الترتيب مشكوك فيه، وهذا الوجه هو الذي دعا إلى إيراد مسألة البلل هاهنا وإن لم يذكره في لفظ الكتاب، والله أعلم.