للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ بِثَوْبِ قَنِيَّةٍ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِالعَيْبِ انْقَطَعَ حَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ ثَوْبَ تِجَارَةٍ بِعَبْدٍ لِلْقَنْيَةِ ثُمَّ قَيْنَةٍ.

قال الرافعي: زكاة التجارة واجبة عند جمهور العلماء، وفيهم الشافعي -رضي الله عنه-، قَطَعَ به في قَوْلِهِ في الجديد، وحكى عنه في القديم تَرْديد قول.

فمنهم من قال: له في القديم قولان، ومنهم من لم يثبت خلاف الجديد شيئاً، وذَكَرَ في "النهاية" أن نفي وجوبها يُعْزَى إِلَى مَالِكٍ، ولا يكاد يثبت ذلك عنه، إنّما المشهور عنه أنها لا تجب إلا بعد النضوض حتى لو نض بعد ما اتجر سنين كثيرة لا تجب إلا زكاة سنة واحدة. والأصل في الباب: ما روي عن أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "فِي الْإبل صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ" (١). ومعلوَمَ أَنه ليس في البر زكاة العين، فيكون الواجب زكاة التِّجَارة. وعن سمرة بن جندب قال: "كَانَ النِّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِمَّا نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ" (٢) واعتمد الشافعي -رضي الله عنه- فيه بما روى عن أبي عمرو بن حماس أن أباه حماساً قال: "مَرَرْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- وَعَلَى عُنقِي أَدَمَةٌ أَحْمِلُهَا، فَقَالَ: أَلاَ تُؤَدِّي زَكَاتَكَ يَا حِمَاسُ؟ فَقُلتُ: مَالِي غَيْرُ الَّتِي عَلَى ظَهْرِي وَأُهُب فِي الْقَرَظِ، قَالَ: ذَلِكَ مَالٌ فَضَعْ. قَالَ: فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَسَبُهَا، فَوَجَدْتُ قَد وَجَبَ فِيهَا الزَّكَاة فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ" (٣). إذا تقرر ذلك، فأول ما بدا به في الكتاب بيان أن مال التِّجَارة ماذا؟ فقال: (ومال التجارة كل ما قصد الاتجار فيه عند اكتساب الملك بالمعاوضة المحضة)، وفي هذا الضباط أمور قد فصلها بصور:

فمنها: أن مجرد نية التجارة لا تجعل المال مال التجارة، حتى لو كان له عَرَضٌ لِلقِنْيَةَ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ وغيره، ثم جعله للتجارة لَمْ يَصِرْ للتجارة، ولم ينعقد الحول عليه خلافاً لِلْكَرَابِيسِي من أصحابنا (٤)، حيث قال: "يصير مال تجارة بمجرد النِّية"، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين: لما روينا من خبر سمرة، وكما لو كان عنده عرض التجارة


(١) أخرجه الدارقطني (٢/ ١٠٠ - ١٠٢) والبيهقي (٤/ ١٤٧) والحاكم (١/ ٣٨٨)، بإسنادين صحيحين، وانظر التلخيص الحبير (٢/ ١٧٩) والبز بفتح الباء وبالزاي.
(٢) أخرجه أبو داود (١٥٦٢) والبيهقي (٤/ ١٤٦ - ١٤٧) والدارقطني (٢/ ١٢٧ - ١٢٨) والطبراني (٧٠٢٩، ٧٠٤٧) وانظر التلخيص الحبير (٢/ ١٧٩) وقال عبد الغني المقدسي مقارب وحسنه غيره.
(٣) رواه البيهقي (٤/ ١٤٧) وقال ابن الملقن في الخلاصة إسناده صحيح لا أعلم به بأساً، وقال ابن حزم أبو عمرو بن حماس مجهول كأبيه كذلك.
(٤) تقدم ترجمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>