قال الرافعي: غرض القاعدة الكلام فيما لو كان مال التجارة مما يجب في عينه الزَّكَاة، وافتتحها باجتماع الفطرة وزكاة التجارة، فعندنا: تجب فطرة عبيد التِّجَارة مع إخراج الزَّكَاةَ عن قيمتهم، وبه قال مالكٌ خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- حيث قال:"لا تجب الفطرة به".
لنا: أنهما حقان يجبان لسببين مختلفين، فلا يَتَداخلان كالجَزَاء مع القِيمَة (١) في العبد المَمْلُوك، ولو كان مَالُ التِّجَارَةِ نِصَاباً من السائِمَة فلا تجب فيه زكاة العين، والتِّجَارة جميعاً، وفيما تُقَدَّم مِنْهُمَا؟ قولان:
الجديد -وبه قال مالك-: أنه تُقَدَّمُ زَكَاةُ الْعَيْن؛ لأنها أقوى من جِهَة أنها مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا. وفي زكاة التجارة نزاع لبعض أهل الظاهر، وقد حكينا فيها عن القديم شيئاً ضعيفاً أيضاً. والقديم -وبه قال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما الله-: أنه تُقَدَّم زَكَاة التِّجَارَةِ؛ لأنها أنفع للمساكين من حيث إنها تعم وتشمل أصنَاف الأموال، وتزيد بزيادة القِيمة. وذكر القَفَّال في "شرح التلخيص" أن له في القديم قولين:
أحدهما: كالجديد.
والثاني: تغليب زَكَاة التِّجَارة ورأيت لابْنِ الصَّبَاغِ من العراقيين رواية مثل ذلك.
فإن قلنا: بالأصح، وهو تقديم زكاة العين أخرج السِّنَّ الوَاجِبَةَ مِنَ السَّائِمَةِ، والسُّخَال تُضَمُّ إلى الأمهات، وإن قدمنا زكاة التّجَارة فقد قال في "التهذيب": تقوم مع درِّها، وَنَسْلِهَا، ؤصُوفِهَا، وما اتخذ من لَبَنِهَا، وهذا جواب في النّتاج على أنه مال تِجَارة، وقد أَسْلَفْنَا فيه خلافاً، ولا عبرة بنقصان النِّصاب في أثناء الحول تفريعاً على الصَّحيح في وقت اعتبار نِصَاب التِّجَارة، ولو اشترى نِصَاباً مِنَ السَّائِمَة لِلتِّجَارة، ثم اشترى بها عرضاً بعد سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَثَلاً، فعلى القول الثاني: لا ينقطع الحول، وعلى
(١) بمعنى أن المحرم إذا قتل صيداً مملوكاً عليه قيمته لمالكه والجزاء للمساكين، ولأنه يكتفي بأحدهما.