الرِّبْحِ بمجرد الظُّهُور أو لا يملك إِلاَّ بِالْقِسْمَة؟ وفيه قولان:
أصحهما: الثاني، وسيأتي شرحهما في "كِتَاب القَرَاض" -إن شاء الله تعالى-.
إذا عَرَفْتَ ذلك، فالرَّجُل إذَا دَفَع إلَى غَيْرِهِ نَقْداً قراضاً وحال الحول وفيه ربح فلا يخلو إما أن لا يكون واحد مِنْهُمَا مِنْ أهْلِ وجُوبِ الزَّكَاة، كالذِّمِّي والمُكَاتَب، أو يكونَا جميعاً مِنْ أهله، أو يكون أحدهما من أهله دون الثاني.
أما الحالة الأولى: فلا يخفى حكمها.
وأما الثانية: فكلام الكتاب مقصور عليها، فإن قلنا: العامل لا يملك الربح بالظُّهور فَزَكَاةَ رأس المَالِ والربح كله على المَالِكِ، لأن الكُلَّ مِلْكُه، هَكَذا قاله الجمهور. ورأى الإمام تخريج الوجوب في نصيب العامل على الخلاف في المغصوب والمَجْحُود والأمْلاَك الضَّعِيفة، لتأكُّدِ حَقِّ العَامِلِ فِي حِصَّتِهِ، وتَعَذُّرِ إِبْطَالِهِ عَلَى الْمَالِكِ، وحَوْلُ الرِّبْحِ مبنِيُّ على حَوْلِ الأَصْلِ، إلا إذا رُدَّ إلى النضوض ففيه الخلاف الذي تَقَدَّم ثم إن أخرج الزكاة من مال آخر فَذَاك، وإن أُخْرِجَ مِنْ هَذَا الْمَالِ ففي حكم المُخْرَج وجهان:
أحدهما: أنه محسوب من الرِّبْح كالمُؤَنِ الَّتِي تَلْزَمُ المَالَ مِنْ أُجْرَةِ الدَّلاَّلِ وَالْكَيَّالِ، وكما أن فُطْرَة عبيد التِّجَارَةَ تُحْسَبُ مِنَ الرِّبْحِ، وَكَذَا أَرْشٌ جَنَايَتِهِمْ، وَهَذَا أَظْهَرُ عَندَ الأكثرين ويحكى عن نَصِّهِ في "الأم".
والثاني: أنه كَطَائِفَة مِنَ المَالِ يَسْتَرِدُّهَا الْمَالِكُ؛ لأنَّهُ مَصْرُوفٌ إلى حَقٍّ لَزمهُ، فعلى هذا يكون المُخْرَجُ من رَأسِ الْمَالِ وَالرِّبْح جَمِيعاً على قضية التقسيط.
مثاله: رأس المال مَائَة والرِّبْحُ خَمْسُون، يكون ثُلُثَا المُخْرَجِ مِنْ رَأسِ الْمَالِ، وَثُلُثُه مِنَ الرِّبْحِ.
قال في "التهذيب": والوجهان مَبْنِيَّانِ على أن الزَّكَاة تَتَعلَّق بِالْعَيْنِ أو بالذِّمَة؟ إن قلنا: بالأول فهو كالمُؤَن، إلا فكاسترداد طائفة من المال، وروى الإمام هذا البناء عن بعضهم، لكن مع ترتيب، إن قلنا بتعلقها بِالْعَيْنِ فَهُوَ كَالْمُؤَنِ بِلاَ خِلاَف، وإلا ففيه الخِلاَف، ثم إنه لم يَرْتَضِ هَذَا البنَاءَ، ولم يستبعد طرد الوجهين تَعلَّقت الزَّكاة بالعَيْنِ أو بالذِّمة. وفي المسألة وجه ثالث: أن المخرج من رأس المال خَاصَّة؛ لأن الوَاجِب لزمه خَاصَّة، وهذا أظْهَرُ عند القاضي الرّوَيانِي وقَوْم -رحمهم الله-، وإن قلنا: العامل يملك الرّبْحَ بالظُّهُورِ فعلى المالك زَكَاةُ رأسِ الْمَالِ ونصيبه مِنَ الرِّبْحِ، وهَلْ على العَامِل زَكَاةُ نَصِيبِهِ؟ فيه طرق:
أحدها -ويحكى عن صاحب "التقريب"-: أنه على القولين في المغصوب