فالْكَنْزُ لِمَنْ فِي يَدِهِ الأرض، قاله في "التهذيب"، هَذَا إِذَا وُجِدَ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ، وإنْ وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإمَّا أن يوجد في مَوَاتٍ أو غيره.
إن وجد في مَوات نُظِر إنْ كَانوا لاَ يَذُبُّونَ عنه فهو كموات دَارِ الإِسْلام، وَالْمَوْجُودُ فِيهِ رِكَازٌ، وإن كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْهُ ذَبِّهُمْ عن العمران ففيه وَجْهَان:
قال الشَّيْخُ أبُو عَلِيِّ هو كما لو جد في عمرانهم وقال الأكثرون: حُكْمُهُ حُكْمُ مَوَاتِهِمْ الَّذِي لاَ يَذُبُّونَ عَنْهُ.
وعن أبي حَنِيفة أن ما يوجد في موات دار الحرب فهو غَنِيمَةٌ لاَ رَكَازٌ، حَكَاهُ فِي "الشَّامِلِ"، وإن وجد في مَوْضِع مَمْلُوكٍ لَهُمْ فينظر إن أخِذَ بقَهرٍ وَقِتَالٍ فَهُوَ غَنِيمَةٌ، كَأَخْذِ مَتَاعِهِمْ مِنْ بَيْتِهِمْ، ونقودِهِم من خَزَائِنِهم، فيكون خُمُسُهُ لِأَهْل الخُمُسِ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ وَجَدَهُ. وَإِنْ أُخِذَ من غير قَهْرٍ وقتالٍ فَهُو فَيْءٌ ومستحقةَ أهْلُ الفَيْءِ، هَكَذَا قَالَهُ فِي "النِّهَاية" وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْب مِنْ غَيْرِ أَمَانٍ؛ لأنه إن دَخَلَ بِأَمَانٍ لم يكن له أَخْذُ كَنْزِهِمْ، لاَ بِقِتَالٍ وَلاَ بِغَيْرِ قِتَالٍ، كَمَاَ ليس له أن يخونهم في أَمْتِعَةِ بُيُوتِهِمْ، عليه الرَّدُّ إن أخذه، وَقَد نَصَّ على هذا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيّ.
ثم في كَوْنِهِ فَيْئاً إِشْكَالٌ؛ لأن لك أن تقول: مَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَان وَأَخَذَ مَالَهُمْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، فإما أن يأخذه فِي خِفْية فَيَكُونُ سَارِقاً، أَوْ جِهَاراً فَيَكُونُ مُخْتَلِساً، وقد ذكر في الكتاب في "السِّيَر"، أَنَّ مَا يُخْتَلَسَ وُيسْرَق مِنْهُمْ، فَهُوَ خَالِصٌ مِلْكُ المُخْتَلِسِ وَالسَّارِقِ، ويشبه أن يكون الفيء هُوَ أَمْوَالُهُمْ الَّتِي تَحْصُلُ فِي قَبْضَةِ الإمَامِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ كَالْجِزْيَةِ وَنَحْوِهَا، دُونَ مَا يَأخُذُهُ الآحَادُ، وَرُبَّمَا أيَّدتُ هَذَا الاِشْكَالِ بَأَنَّ كَثِيراً مِنَ الأَئِمَّةِ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ غَنِيمَةٍ، مِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالصَّيْدَلاَنِيّ.
وَأَعُودُ بَعْدَ هَذَا إِلَى لفظ الْكِتَابِ فَأَقُولُ:
قوله: ويشرط أن يوجد في موضع مشترك كَمَوَاتٍ وشارع.
فيه كلامان:
أحدهما: أنه قد يعني بكون الموت مُشْتَركاً كونه بسبيل يتمكن كُلُّ وَاحِدٍ من إحيائه وتملكه، وبكون الشَّارع مُشْتَركاً بأن لِكُلّ أَحَدٍ فِيهِ حَقّ الطرُوفِ ولا يحسن حَمْلُ الاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الْكِتَاب عَلَيْهِمَا؛ لأن كُلَّ وَاحدٍ مِنَ الْمَعنِيَيْنِ يُخْتَصُّ بِأحَدِ المَوْضِعَيْنِ، وقد وَصَفَهُمَا جَمِيعاً بِالاشْتِرَاكِ بِلَفظٍ وَاحِدٍ فَالأَحْسَنُ تَفْسيرُهُ بِمَعنَىً شَامِلٍ، كالانْفِكَاكِ عَنِ المِلْكِ وَنَحْوه.
والثَّانيِ: أن لِمُنَازع أَنْ يُنَازعَ في اشتراط الوُجُودِ فِي مَوْضِعٍ مُشْتَرِكٍ، لأن إذا أَحْيَا أَرْضاً وَتَمَلَّكَهَا، ثُمَّ وَجَدَّ فِيهَا كَنْزاً كَانَ ذَلِكَ رَكَازاً، وإن لم يوجد فِي مَوْضِعٍ مُشْتَرَكٍ،