للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق: الأخذ بالاحتياط في الطَّرفين بتقديره حياً بالإضافة إلى الفِطْرَة وميتاً بالإضافة إلى الكَفَّارة، ليأتي بيقين الإعْتَاق، وكيفما قدر فالأظهر وجوب الفِطْرة، وعدم الإجزاء في الكَفَّارة، وإذا أوجبنا الفِطْرة في هذه الصورة، فهل نوجب إخراجَها في الحَالِ، أم يجوز التَّأْخير إلى عود العَبْد كَمَا في زَكَاةِ المَالِ؟ في نظائرها المذهب الأول؛ لأن المُهْلَة شُرِعَت ثَمَّ لِمَعْنَى النَّمَاء وهو غير معتبر هاهنا. وروى ابنُ الصَّبَاغ عن الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: أن الشَّافعي -رضي الله عنه- نَصَّ في "الإملاء" على قولين في ذَلك، قال: وهَذَا بَعِيدٌ؛ لأن إمكان الأَدَاء شَرْطُ الضَّمَانِ فِي زَكَاةِ المَالِ، والمَالُ الغَائِبُ يَتَعَذَّرُ الأَدَاء مِنْهُ، وليس كَذَلِكَ الفِطْرَة، هكذا ذَكَره، لكن قال صاحب "التهذيب": لو دخل الوقت، ومات المُؤَدّى عنه قبل إمكان الأَدَاء فَفِي سقوط الفِطْرَة وُجْهَان: فألحقهما في أحد الوَجْهَيْنِ بِزَكَاةِ المَالِ في اعتبار الإمْكَان، وحكى الإمام هَذَا الخِلاَفَ أَيضاً -والله أعلم-.

قال الغزالي: (السَّابِعَةُ) نَفَقَةُ زَوْجَةِ العَبْدِ فِي كَسْبِه وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لِزَكَاةِ نَفْسِهِ فَلاَ يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ.

قال الرافعي: العبد ينفق على زوجته من كَسْبهِ، ولا يخرج الفطرة عنها حُرَّةٌ كانت، أو أَمَةً؛ لأنه ليس أهلاً لزكاة نَفْسِهِ، فكيف يُتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ.

أما النفقة فَلاَ بُدَّ مِنْهَا، وأقرب موضع يؤدي منه كسبه، ثم إذا كَانَت الزَّوْجَة حُرَّةٌ مُوسِرَةٌ، فَهَلْ عَلَيها فِطْرَةُ نَفْسِهَا؟ منهم من قال: هو على القَوْلَين المَذْكُورين فيما: إذا كانت تَحْتَ زَوْجٍ مُعْسِرٍ.

ومنهم: من قال: عليها فِطْرَتُهَا بلاَ خِلاَفٍ؛ لأن العَبْدَ لَيْس أهلاً لِلْخِطَابِ بالفِطْرَةَ، وإن كانت أَمَةً فهل على سَيِّدِهَا فِطْرتها؟ فيه هذان الطَّريقان:

والثاني: أظهر في الصُّورتين، ولو مُلَّك السَّيدُ عَبْدَه شيئاً، وقلنا: إنه يملكه، لم يكن له إخراج فطرة زوجته عنه استقلالاً؛ لأنه مِلْك ضعف، ولو صَرَّح بِالإذْنِ فِي الصَّرف إِلَى هَذِهِ الجهة، ففيه وجهان للشَّيْخ أَبِي مُحَمَّدٍ إن قلنا: له ذلك، فليس للسَّيد الرجوع عن الإِذْن بعد استهلال الْهِلاَل؛ لأن الاستحقاق إِذَا ثَبَتَ؛ فَلاَ مَدْفَعَ لَهُ.

خاتمه: قوله في أول المسائل السبع: (ولا تفارق الفطرة النفقة إلا في كذا) لا شك أنه لم يعن به مطلق المُفَارقةِ؛ لأن مفارقتهما لا تنحصر فيما استثناه؛ بل هما مفترقان في القدر والوَقْت؛ وأمور أخر لا تُحْصَى كثرة، وإنما عني المفارقة في ثبوت النفقة وانتقاء الفطرة، لكن هذه المفارقة غير منحصرة أيضاً فيما استثناه لمسائل:

منها: إذا كان لِلْكَافر عَبْدٌ مُسْلِمٌ، ففي فطرته وجهان سنذكرهما، والنفقة واجبة.

ومنها: إذا أوْصَى بِرَقَبَةِ عَبْدِ لرجل، وبمنفعته لآخر قال ابْن عَبْدَان: فطرته على

<<  <  ج: ص:  >  >>