والثاني: أن الكفارة لها بدل والفِطْرة لاَ بَدَلَ لَهَا، فصار كما لَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ العَوْرَة يلزمه التَسَتَّر بِهِ حتى لو انتهى في الكَفَّارة إلى المرتبة الأخيرة، وهي الإطعام، ولم يجد إطعام ثَلاَثين. قال الإمام: يتعين عندي إطعامهم قَطْعاً. والثاني: لو فضل صاع وهو يحتاج إلى إخراج فِطْرة نَفْسِهِ، وله زوجة وأقارب ففيه وجوه:
أصحها: أنه يلزمه تقديم نفسه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ابْدَأ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ"(١).
والثاني: أنه يلزمه تَقْديم زوجتهِ، لتأكد حَقِّها، وثبوتِهِ بالعِوَض، ولهذا تستقر نفقتها في الذِّمَّة بخلاف نَفَقة غيرها.
واحتج في الكتاب لهذا الوجه بأن فِطْرَتَها دَيْنٌ، والدَّيْنُ يمنع وجوب هذه الزَّكَاة، أما كَوْنُه الدَّين مَانِعاً لهذه الزَّكاة. فوجهه: ما سبق في الفَصْلِ الَّذِي قبل هذا.
وأما المُقَدِّمة الأولى، فَلِصَاحِب الوَجْهِ الأَوَّلِ أن يقول إن ادعيت أن فطرتها دين، والحالة هذه فهو مَمْنُوع بل عِنْدِي لا يُلْزَم فِطْرَتَها، إِلاَّ إِذَا فضل عن فطرة نَفْسِهِ شيء، وإن لم يَتعرض فهذه الحالة، فكما أن فطرتها دين في الجملة، ففطرة نفسه وأقاربه دين في الجُمْلة، فلم تمنع فِطْرتها وجوبَ فِطْرَةِ غَيْرِهَا، ولا ينعكس.
والثالث: أنه يَتَخَيَّر إِنْ شاء أخرج عَنْ نَفْسِهِ، وإن شاء أخرج عَنْ غَيْرِهِ لاستواء الكُلِّ في الوجوب، ويحتج لهذا الوجه بقوله في "المختصر": "فإن لم يكن عنه بعض القوت ليوم إلاَّ ما يؤدي عن بعضهم أدى عن بعضهم"، أطلق الأداء عن البعض إِطْلاَقاً، وهذا الوجه أرجح عند القَاضِي الرّويَانِي، وإذا قلنا: به فلو أراد أن يوزع الصَّاع، هل له ذلك؟ نقل في "النهاية" فيه وجهين: وجه الجواز؛ صيانةً للبعض عن الحرمان، ووجه المنع، وهو الأصح نقصان المخرج عن قدر الوَاجِب في حَقِّ الكُلِّ، مع أنه لا ضرورة إليه، والوَجْهَان عَلَى قَوْلِنَا أن من لم يجد إلاَّ بعضَ صَاعٍ يلزمه إِخْرَاجُهُ، فَإِنْ لم يلزمه لم يجز التوزيع جَزْماً، وأورد المَسْعُودي وَجْهَ التَّوْزِيع إيراداً يُشْعِر بأنه يتعين ذلك، محافظةً على الجوانب -والله أعلم-.
الثالث: لو فضل صَاعٌ، وله عبد صَرَفَه إلَى نَفْسِهِ، وينظر في العبد، إن كان محتاجاً إلى خِدْمَتِهِ، فَهَل عليه أن يَبِيع جزءاً منه في فِطْرَتِهِ؟ فيه وجهان موجهان بطريقين: