قال أبو حنيفة -رحمه الله-: اليسار المعتبر في الباب أن يكون مالكاً لِنِصَابٍ زَكَوِي، ومالك وأحمد وافقنا على عَدَم اعتباره؛ لأن الحَقَّ المَاليَّ الذي لا يزيد بزيادة المال لا يعتبر فيه وجود النِّصاب، كالكَفَّارَاتِ، ثُمَّ الْيَسار إِنَّمَا يُعْتَبَرُ وقت الوجوب، فلو كان معشراً عِنْدَه، ثم أيسر فلا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأن وُجُودَ الشَّرْطِ بَعْدَ فَوَاتِ الوَقْتِ لا يغني، ولو وَجَدَ بَعْضَ أَسْبَاب الكَفَّارات من الشَّخْصِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عن جميع خِصَالِهَا، ثم قدر فعليه أن يُكَفِّر؛ لأن الَوُجُوبَ قد ثبت ثُمَّ والَأداء موقوف على القدرة، وفيه خلاف يذكر في موضعه. وقوله:(فلو أَيْسَرَ بَعْدَ الْهِلاَلِ) هذا التَّصْوِير مُفَرَّعٌ على قولنا أن وقت الوجوب الاستهلال، وقد سبق لَهُ نَظِير.
وقوله:(لم يتجدد الوجوب) فيه ضرب من التَّوَسُّعِ، إذ لم يكن في الابتداء وجوب، حتى يفرض تَجَدّده، أو عَدَم تجدده والمراد منه لم يثبت الوجوب، وليكن مُعَلَّماً بالميم؛ لأن القاضي الرَوَيانِي، وصاحب "البيان" رويا عن مَالِك أنه إن أيْسر يوم الفطر، وجب عليه الفِطْرة. وقوله:(بخلاف الكفارات) أي: على ظاهر المَذْهَب، وهو أن الوجوب ثَابِت إذا قدر بعد الْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ الخِصَالِ، وإلاَّ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي الْحُكْمِ.
أحدها: لو فضل معه عما لا يجب عليه بعض صَاعٍ من نصف وثلث وغيرهما فهل يلزمه إخراجه؟ فيه وجهان مَرْوِيَّانِ عن أبي إِسْحَاق:
أحدهما: لا، كما إذا لم يجد إِلاَّ نِصْفَ رَقَبَةٍ، لا يجب إعتاقه في الكُفَّارة، وكذا لو لم يقدر إلاَّ على إطعام خَمْسَة مَسَاكِين، أو كسوتهم. وأصحهما: نعم؛ محافظةً على الواجب بقدر الإمكان، ويخالف الكفارة من وجهين:
أحدهما: أن الكَفَّارة لا تتبعض؛ والفِطْرَة تتبعض في الجملة، ألا ترى أنه لو مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ يَلْزَمِه نِصْفُ صَاعٍ.