للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: (الطَّرَف الثَّالِثُ) فِي الوَاجِبِ وَهُوَ صَاعٌ مِمَّا يُقْتَاتُ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ (ح) وَالْمُدُّ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ.

قال الرافعي: الواجب في الفطرة من كُلِّ جنْسٍ يخرجُه صَاعٌ، وبه قالَ مَالِك وأحمدُ خلافاً لأبي حنيفة -رحمهم الله- إذ قال: "يكفي من الحنطة نصف صاع"، وعنه: في الزبيب روايتان.

لنا: ما روي عن أبي سَعِيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، صَاعاً مِنْ طَعَام، أَوْ صَاعاً مِنْ تَمرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرِ، أوْ صَاعاً مِنْ زَبيبٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أقِطٍ، فَلاَ أزَالُ أُخْرِجُهُ، كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ مَا عِشْتُ" (١). والصَّاع أربعة أَمْدَاد، والمُدَّ رَطلٌ وَثُلُثٌ فيكون الصَّاع بالأرطال خمسةً وثلثاً. وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: الصاع ثمانية أرطال، أربعة أمداد.

لنا: نقل أهل المدينة خلفاً عن سَلَفٍ، ولمالك مع أبي يوسف -رحمهما الله- فيه قصَّة مشهورة (٢)، وجملة الصَّاعِ بالوزن ستمائة دِرْهم، وثلاثة وتسعونُ درهماً وثلث درهم (٣)، قال ابن الصَّبَّاغِ وغيره: والأصل فيه الكَيْل، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهاراً (٤). وقوله في الكتاب: (مما يقتات) غير مجرى على ظَاهِرة، لا في شمول الحكم لكل مقتات، ولا في قصره عليه، أما الأول فلان الأقوات النَّادِرَة كالغث وحَبِّ الحَنْظَل وغيرهما لا يجري نص عليه، وقد بين في الكتاب ذَلِكَ بقوله من بعد: "والقوت كل ما يجب فيه العُشْر" أي: معنى بالقوت هاهنا ذلك، وأما الثَّاني فلما سَيَأْتي في الأقط، ويجوز إعلام قوله: (مما يقتات) بالواو لما سيأتي.


(١) أخرجه البخاري (١٥٠٥) ومسلم (٩٨٥).
(٢) القصة أخرجها البيهقي بإسناد جيد.
(٣) قال النووي: هذا الذي قاله على مذهب من يقول: أن رطل بغداد مائة وثلاثون درهماً، [ومنهم من يقول: مائة وثمانية وعشرون درهماً، ومنهم من يقول: مائة وثمانية وعشرون درهماً] وأربعة أسباع درهم، وهو الأرجح، وبه الفتوى. فعلى هذا الصاع: ستمائة درهم وخمسة وثمانون وخمسة أسباع درهم.
(٤) قال النووي: قد يستشكل ضبط الصاع بالأرطال، فإن الصاع المخرج به في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، مكيال معروف، ويختلف قدره وزناً باختلاف جنس ما يخرج، كالدرة والحمص وغيرهما، وفيه كلام طويل، فمن أراد تحقيقه راجعه في "شرح المهذب" ومختصره: أن الصواب ما قاله الإمام أبو الفرج الدارمي من أصحابنا، أن الاعتماد في ذلك على الكيل، دون الوزن، وأن الواجب أن يخرج بصاع معاير بالصاع الذي كان يخرج به في عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك الصاع موجود، ومن لم يجده وجب عليه إخراج قدر يتيقَّن أنه لا ينقص عنه. وعلى هذا، فالتقدير بخمسة أرطال وثلث تقريباً. وقال جماعة من العلماء: الصاع: أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين. ينظر الروضة (٢/ ١٦٢، ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>