للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: وَالقُوتُ كُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ العُشْرُ، وَفي الأَقِطِ قَوْلاَنِ لِلتَّردُّدِ فِي صِحَّة حَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ، فَإِنْ صَحَّ فاللبن وَالجُبْنُ فِي مَعْنَاهُ دُونَ المَخِيض وَالسَّمْنُ، ثُمَّ لاَ يُجْزِئُ المُسَوِّسُ وَالمَعِيبُ وَلاَ الدَّقيقُ، فَإنَّهُ بَدَلٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ أَصْلٌ.

قال الرافعي: غرض الفصل الكلام في جنس المخرج، والذي سبق كان في قدره، وكل ما يجب فيه العشر فهو صَالِحٌ لإخراج الفِطْرَة منه، فمن أنواعه ما هو مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ في الخبر، ومنها ما هو مقيس عليه، وذكر الموفق ابْنُ طَاهِر أن صاحب "الإفصاح"، حكى عن القَدِيم قولاً أنه لا يجزئ إخراج العَدَسِ والحُمّصِ فِي الفِطْرَةِ؛ لأنهما أدمان، والمذهب الأول، وفي الأقط طريقان:

أظهرهما -وهو المذكور في الكتاب-: أنه على قولين:

أحدهما: أنه لا يجوز إخراجه؛ لأنه إما غير مُقْتَاتٍ، أو مُقْتَاتٍ لاَ عُشْرَ فِيهِ، فأشبه الفث، وما إذا اقتاتوا ثمرة لا عُشْرَ فِيهَا، وبهذا قَالَ أبو حَنِيفة إلا أن يخرجه بدلاً بالقيمة. والثاني -وبه قال مَالِكٌ وأحمد -رحمهما الله-: يجوز؛ لحديث أبي سعيد (١) وكلام الإمام يقْتَضِي تَرْجِيح القول الأَوَّلِ، وصغو الأكثرين إلى ترجيح الثَّانِي، ويحكى ذلك عنَ القاضي أَبِي حَامِدٍ، وبه أجاب مَنْصُورُ التَّمِيمِيّ في المُسْتَعْمَل.

والطريق الثَّاني -وبه قال أبو إسحاق-: القطع بالجواز، وإنما علق القول فيه حين لم يصح الخبر عنده، فلما صَحَّ جزم (٢) به، فإن جوزنا فقد ذَكَر في الْكِتَاب أن الجبن واللبن في معناه، وهذا أظهر الوَجْهَيْن، وفيه وجه أن الإخراج منهما لا يجزئ؛ لأن الخبر لم يرد بهما، ويشبه أن يكون هذا الخلاف جارياً في إخراج من قوته الأقط واللبن والجبن لما بينهما من التَّقَارب، كأنهما جنس واحد، وفي إخراج من قوته اللبن اللبن.

أما الأول: فلأن أصحابنا العراقيين حكوا عن القاضي أَبِي الطَّيِّبِ جواز إخراج اللبن مع وجود الأقط؛ لأنه يَصْلُح للأقط وغيره.


(١) لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعاً من طعام أو صاعاً من أقط أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب. أخرجه البخاري (٣/ ٣٧١) في كتاب الزكاة/ باب: صدقة الفطر صاعاً من طعام حديث (١٥٠٦) ومسلم (٢/ ٦٧٨) في كتاب الزكاة/ باب: زكاة الفطر على المسلمين (١٧/ ٩٨٥).
(٢) قال النووي: ينبغي أن يقطع بجوازه لصحة الحديث من غير معارض انتهى. والمذهب الذي قطع به الجماهير أنه لا فرق بيّن في أجزاء الأقط بين أهل البادية والحضر. وقال الماوردي: الخلاف في أهل البادية. وأما أهل الحضر فلا يجزئهم قولاً واحداً، وإن كان من قوتهم. قال النووي -رحمه الله- في مجموعه: وهذا الذي قاله شاذ فاسد مردود، وحديث أبي سعيد صريح في إبطاله. والأقط بضم الهمزة وكسر القاف وبإسكانها مع تثليث الهمزة لبن يابس غير منزوع الزبد.

<<  <  ج: ص:  >  >>