بلده يخالف قوت بلد العبد فالواجب قوت بلده أو قوت بلد العبد، يخرج على الأصل المذكور، وإن كان السَّيِّدانِ في بلدين مختلفي القوت، اعتبرنا قوت الشَّخص بنفسه واختلف قوتهما ففيه وجهان:
أظهرهما -وبه قال أبو إسحاق وابن الحداد-: أنه يجوز أن يخرج كل واحد منهما قدر ما يلزمه من قوته أو قوت بلده؛ لأنهما إذا أخرجا هذا أخرج كُلُّ واحد منهما جميع ما لزمه من جنس واحد، وشبه ذلك بما إذا قتل ثلاثة من المُحْرِمين ظبية، فذبح أحدهم ثلث شاة وأطعم الثَّاني بقيمة ثلث شاة وصام الثَّالث عدل ذلك يجزئهم.
والثاني -وبه قال ابن سريج-: لا يجوز ذلك؛ لأن المخرج عنه واحد فلا يتبعض واجبه على هذا فوجهان:
أحدهما: وهو الذي أورده الإمام والمصنف-: أن على صاحب الارداء موافقة صاحب الإشراف احترازاً من التفريق، ومحافظة على جانب المساكين.
والثاني: أن صاحب الإشراف ينزل ويوافق صاحب الإرداء دفعاً للضرر عنه، وهذا حَكَاه القَاضِي الرّويَانِي وغيره، عن ابن سُرَيْجٍ. قال الشَّيْخُ أَبُو عَلِيِّ: الوجهان عندي في الأَصْلِ مُخَرَّجَان على أن فِطْرَة العَبْدِ تَجِبُ عَلى السَّيِّدِ ابتداءً أو هو متحمل؟
إن قلنا بالأول جاز التبعيض، وإن قلنا بالثَّاني فلا؛ لأن العبد واحد لا يلزمه الفِطرة من جنسين، والشيء لا يتحمل ضَماناً إلا كما وجب.
ذكر الشَّيْخُ هَذَا فيما إذا اعتبرنا قوت الشَّخص في نفسه، واختلف قوتهما ولقائس أن يخرج الوجهين فيما إذا اعتبرنا قوت البلد وكانا مختلفي القوت على هذا الأصل أيضاً، ثم إن كان العبد في بلدِ أحدِهِمَا فعلى التقدير الثاني يلزمهما صاعٌ من قوتِ ذلك البلد وإن كانَا في بلدِ ثالث يلزمهما صاعٌ من قوت ذلك البلد الثالث، وهذا وجه قد رواه صاحب "الشامل" وآخرون مُرْسَلاً، قالوا: يخرجان صاعاً من قوت بَلَدِ العَبْدِ ولو كان الأب فِي نفقة ولدين فالقول في إخراجهما الفطرة عنه كالقول في السَّيدين، وكذا من نَصْفُهُ حر وَنِصْفُه رقيق إذا أوجبنا عليه نصف الفِطْرة على التَّفْصِيل الَّذِي سبق فيه، فعند ابن الحَدَّادِ يَجُوز أنْ يُخْرِجَا مِنْ جنسين، وعند ابْنِ سُرَيجٍ: لا يجوز.
الرابع: إن أوجبنا غالب قوت البلد، وكانوا يقتاتون أصنافاً مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض فله أن يخرج ما شاء، والأفضل أن يخرج من الأشرف.
ونعود بعد هذا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب:
أما قوله:(ثم يتعين من الأقوات القوتُ الغالبُ) معلم بالحاء.
وقوله:(وجنس قوته) بالحاء والميم. وقوله:(يتخير) بالميم؛ لما رويناه.