(٢) الحِسْبة، هي أمر المعروف، إذا ظهر تركه، ونهى عن المنكر إذا ظهر فعله، وهذا وإن صح من كل مسلم، فالفرق بين المحتسب والمتطوع من تسعة أوجه: أحدها: أن فرضه متعيّن على المحتسب بحكم الولاية، وفرضه على غيره داخل في فرض الكفاية. الثاني: أن قيام المحتسب به من حقوق تصرفه الذي لا يجوز أن يتشاغل عنه بغيره، وقيام المتطوع به من النوافل الذي يجوز التشاغل عنه لغيره. الثالث: أنه منصوب للاستعداد إليه فيما يجب، وليس المتطوع منصوباً للاستعداد. الرابع: أن على المحتسب إجابة من استعدى به، وليس على المتطوع إجابته. الخامس: أن عليه أن يبحث عن المنكرات الظاهرة، ليصل إلى إنكارها، ويفحص عما بترك من المعروف الظاهر؛ ليأمر بإقامته، وليس على غيره من المتطوعة بحث ولا فَحْص. السادس: أن له أن يتخذ على الإنكار أعواناً؛ لأنه عمل هو له منصوب؛ وإليه مندوب، ليكون له أقهر، وعليه أقدر، وليس لمتطوع أن يندب لذلك أعواناً. السابع: له أن يعزر على المنكرات الظاهرة، ولا يتجاوزها إلى الحدود، وليس للمتطوع أن يعزّر على منكر. الثامن: أن له أن يرتزق من بيت المال على حسبه، ولا يجوز لمتطوع أن يرتزق على إنكاره. التاسع: أن له اجتهاد رأيه فيما تعلّق بالعُرف، دون الشرع، كالمقاعد في الأسواق وإخراج الأجنحة، فيقر وينكر من ذلك ما أداه اجتهاده إليه، وليس هذا للمتطوع، فيكون الفرق بين وإلى الحِسْبة، وإن كانت أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وبين غيره من المتطوعة، وإن جاز أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر من هذه الوجوه التسعة. ومن شروط والي الحسبة: أن يكون خبيراً عدلاً، ذا رأى وصرامة وخشونة في الدين، وعلم بالمنكرات الظاهرة، وهل يفتقر إلى أن يكون عالماً من أهل الاجتهاد في أحكام بالدين، ليجتهد رأيه؟ يحتمل أن يكون من أهله، ويحتمل إلاَّ يكون ذلك شرطاً، إذا كان عارفاً بالمنكرات المتفق عليها. ينظر الأحكام السلطانية للفراء (٢٨٤ - ٢٨٥). (٣) من الأمور المهمة تحرير الفرق بين الرواية والشهادة وقد خاض فيه المتأخرون، وغاية ما فرقوا به الاختلاف في بعض الأحكام كاشتراط العدد وغيره، وذلك لا يوجب تخالفاً في الحقيقة. قال القرافي: أقمت نحو ثمان سنين أطلب الفرق بينهما حتى ظفرت به في كلام المازري. فقال: الرواية هي الاخبار عن عام لا ترافع فيه إلى الحكام، وخلافه الشهادة وقال السيوطي في تدريب =