ثم إذا اجتهد وصَام شهراً نظر: إن وافق رمضانَ فَذَاك، وإن غلط بالتأخير أجزأه ذلك، ولم يلزم القَضَاء، ولا يضر كونه مأنباً به على نِيِّة الأداء، كما إذا صَلَّى الظهر بنية الأداء على ظَنِّ بقاء وقتها، ثم تبين أن صَلاَته، وقعت في وقت العصر، لا قضاء عليه، وهل يكون صومه المأتى به قَضَاءً أو أداء؟ فيه وجهان:
أظهرهما: أنه قضاء لوقوعه بعد الوقت.
والثاني: أنه أداء؛ لمكان العذر، والعذر قد يجعل غير الوقت وقتاً، كما في الجمع بين الصَّلاتين. ويتفرع على الوجهين، ما لو كان ذلك الشَّهْرُ نَاقِصاً وكان رمضانُ تاماً. إن قلنا: إنه قضاء لزمه يوم آخر، وإن قلنا: أداء فلا، كما لو كان رمضانَ نَاقِصاً، وإن كان الأمر بالعكس فإن قلنا: إنه قضاء فله إفطار اليوم الأخير إذا عرف الحال، وإن قلنا: أداء فلا، وإن وافق صَوْمُه شَوَّال فالصحيح منه تسعة وعشرون إن كان كاملاً، وثمانية وعشرون إن كان ناقصاً، فإن جعلناه قضاء وكان رمضان ناقصاً، فلا شيء عليه على التقدير الأول ويقضى يوماً على التقدير الثاني وإن كان كاملاً قَضَى يوماً على التقدير الأَوَّل، وَيوْمَيْنِ على التَّقدِير الثَّاني، وإن جعلناه أداءً فعليه قضاء يَوْمٍ بكل حَالِ.
وإن وافق ذا الحجة، فالصحيح منه سِتَّة وعشرون يوماً إن كان كاملاً، وخمسة وعشرون يوماً إن كان ناقصًا، فإن جعلناه قضاءً، وكان رمضان ناقصًا قَضَى ثلاثة أَيَّام على التقدير الأوَّلِ، وَيوْمَيْنِ عَلَى التقدير الثَّاني، وإن كان كاملاً قضى أَرْبَعَة أَيَّامٍ على التَّقْدِير الأول، وثَلاَثةً على الثاني، وإن جعلناه أداءً قضى أَرْبَعة أَيَّامٍ بكل حالٍ، وهذا مبني على ظاهر المَذْهَب في أن صوم أيَّامِ التَّشْرِيق غير صحيح بحَالٍ، فإن صححناه على أن للمتمتع أن يَصُومها وأن من له سبب في صومها بمثابة الَمُتَمَتِّع، فذوا الحجة كـ"شوال" ذكر هذا المستدرك ابْنُ عَبدَانَ -رحمه الله-، وإن غلط بالتقديم على رَمَضَان نظر إن أدرك رمَضَان عند تَبَيُّنِ الحَالِ لهُ فعليه أن يَصُومَه بِلاَ خِلاَفٍ، وإن لم يتبين له الحال إلا بعد مُضِيِّ رمضان فقولان:
القديم: أنه لا يقضى، كالحجيج إذا أخطأوا فَوقَفوا اليومَ العَاشِرَ يجزئهم.
والجديد: وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد -رحمهم الله-: أنه يقضى؛ لأنه أتى بالعبادة قَبْلَ وقتها، فلا يجزئه كالصَّلاة، وبنى القفال وأخرون القولين على أنه لو وَافق شَهْراً بَعْدَ رَمَضَانَ وإنَ قَضاءَ أو أداء، إن قلنا: بالأول فعليه القَضَاءِ، لأن القَضَاء لا يسبق الوقت، وإن قلنا بالثاني فلا قضاء؛ لأن ما بعد الوقت إن جاز أن يجعل وقتاً للعذر،
= المجموع أنه يلزمه التحري، والصوم ولا قضاء عليه، فلو ظهر أنه كان يصوم الليل ويفطر النهار وجب القضاء كما صرح به في الكفاية عن الأصحاب.