والثاني: وهو الأظهر عند الأكثرين، أنه يفطر؛ لأنه لا يَجُوزُ لَهُ ابْتِلاَعُه، وَإِنَّمَا يَجُوز لَهُ ابتلاع الطَّاهِرِ. مِنْهُ، وعلى هذا لو تناول باللَّيْلِ شَيْئاً نَجِساً ولم يغسل فَمَهُ حَتَّى أَصْبَح فابتلع الرِّيق بطل صَوْمُهُ.
الثاني: أن يبتلعه مِنْ معدنه، فلو خرج إلى ظَاهِرِ فمه ثُمَّ رده بِلِسَانِهِ، أو غَيْرِ لِسانِهِ، وابتلعه بَطَل صَوْمُه.
ولو أخرج لِسَانه وعليه الرّيق ثم رده وابتلع ما عليه ففيه وجهان:
أظهرهما -وهو المذكور في "النهاية"-: أنه لا يبطل صَوْمُه، لأَنَّ اللِّسَانَ كيفما تَقلَّبَ معدودٌ مِنْ دَاخِل الفم، فلم يفارق ما عليه معدته، ولو بَلَّ الخَيَّاطُ الخَيْطَ بالريق ثم رده إلى الفم على ما يعتاد عند الفتل فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل، فلا بأس (١)، وإن كانت وابتلعها ففيه وجهان: عن الشَّيْخِ أبي محمد: أَنه لا يَضُرّ؛ لأن ذلك القدر أقل مما يبقى من المَاءِ في الفم بعد المضمضة.
وقال الأَكثَرونَ: إنه يَبْطُلُ الصَّوْم؛ لأنه لا ضرورة إليه، وقد ابتلعه بعد مفارقة المَعْدة، وخص في "التتمة" الوجهين بما إذا كان جَاهِلاً بأن ذلك لاَ يَجُوز، فأما إِذَا كَانَ عَالِماً يَبْطُلُ صَوْمُه بِلاَ خِلاَف.
الثالث: أن يبتلعه، وهو على هيئته المعتادة، أما لو جَمَعَه ثم ابتلعه، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يبطل صَوْمُه، لأن الاحتراز عنه هين.
وأصحهما: أنه لا يَبْطُل، وبه قال أبُو حنيفة -رحمه الله- لأنه مِمَّا يَجُوزُ ابتلاعه ولم يخرج من مَعْدته فأشبه ما لو ابتلعه متفرقاً.
فإن قلت: هذان الوَجْهَان إِنْ جَرَيَا في مُطْلِق الجَمْعِ، فَلِمَ قال: إلا أن يجمع الريق بالعلك، وإن اختصا بالجمع بالعلك فلم أطلقتم نقلهما؟
فالجواب: أنهما جاريان في مطلق الجَمْع نقلاً، وتوجيهاً، ولَعَلَّه إنما تعرض للعلك؛ لأن الإمام قد ذكر أن الوجهين في سورة الجمع نَاشِئان مِنْ لفظ الشَّافِعيّ -رضي الله عنه- حيث قال: "وأكره العلك؛ لأنه يحلب الفم"، وكأنه حاذر اجتماع الريق على خلاف العادة، وهذا شيء قد قاله بعض الشَّارِحِين.
وقال آخرون: أراد بقوله: (يحلب الفم أنه يطيب النَّكْهَة، ويزيل الخَلُوف؛ فَلِذَلِكَ كَرِهَهُ، ولو كان العلك جديداً مفتتاً فَوَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ إلى الجوف بطل صَوْمُه، كما لو
(١) لأنه لم ينفصل شيء بدخول جوفه ونقل المتولي اتفاق الأصحاب على ذلك.