الدَّليلَ يقتضي اشتراط النِّيَّة، مقرونةً بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ العِبَادَةِ، إلاَّ أن الشَّرْع لَمْ يشترط ذَلِكَ، واكتفى بتقديم العَزْم دَفْعاً لِلْعُسْرِ، فلا بد من أن يقع المعزومُ عليه بحيث يتصور القَصْد إليه، وإمسَاك المَغمى عليه لا يقع مقصوداً، فإذا استغرق الإغماءُ امتنع التَّصحيح، وإذا وجدت الإفاقة في لَحْظة أَتْبَعْنَا زمان الإغماء، زمان الإفاقة.
والثاني: اشراط الإفاقة في أول النَّهار.
وبه قال مالك -رحمه الله- ووجهه: أنه حالة الشُّروع في الصَّوْم، فينبغي أن تجتمع فيه صفات الكمال، ولهذا خُصَّ أول الصَّلاَة باشتراط النِّية فيه.
والثالث: اشتراط الإفاقة في جَمِيع النَّهار كالإفاقة عن الجُنون، والنّقاء عن الحيض. والطريق الثاني: أنه ليس في المَسْألَةِ إلا قَوْلاَن الأول والثاني.
وأما نصه الثَّالث فهو محمولٌ على ما إذا كان الإغماءُ مستغرقاً، أو على إغماء الجُنون، أو على أن جوابه رَجَع إلى الحَيْض دون الإغْمَاء، وقد يقع مثل ذَلِك في كلام الشَّافعي -رضي الله عنه- حَكَى هذا الطريق والذي قَبْلَه الشَّيخ وأبو حَامِدٍ وغيره.
والثالث: أن المسألة عَلَى خمسة أقوال، هذه الثَّلاثة المَنْصُوصة، وقولان آخران مُخَرَّجَانِ. أحدهما: ما ذكره المُزَنِيّ جعله بعض الأصحاب قولاً مخرجاً من النَّوْمِ، وبه قال أبُو حَنِيفة.
والثَّاني: ما ذكره ابْنُ سُرَيْجٍ، ووجهه بأن الصَّلاَة لما اعتبرت النية فِيهَا ولم تعتبر في جَمِيعِهَا اعتبرت في طرفيها، كذلك حُكْمُ الإفاقة في الصَّوْمِ، واستضعفت الأئمة هذا القول حتى غلط صَاحِب "الحاوي" ابْنُ سُرَيجٍ في تخريجه، وقال: لا يعرف للشَّافِعِي -رضي الله عنه- ما يَدُلُّ عَلَيْهِ. وأما النَّافون للخلاف فلهم طريقان:
أحدهما: أن المَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وهو اشتراط الإفاقة في أول النَّهَار، وما ذكره في الصَّوْمِ مُطْلَقٌ مَحْمُولٌ على مَا بَيَّنَهُ فِي الظّهَارِ.
وأظهرهما: أن المسأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وهو اشتراط الإفاقة في جُزْءِ مِن النَّهَارِ، وَتَعيْين أَوَّل النَّهَارِ فِي نَصِّه في الظِّهار وقع على سبيل الاتفاق.
وأما النَّصُ الثَّالِثُ فقد قدَّمنا تأويله.
ولو نوى باللَّيل، ثُمَّ شَرِبَ دَوَاءً فَزَالَ عقْلُهُ نَهَاراً فقد قال في "التهذيب" يُرَتَّبُ على ذلك الإغماء. إن قلنا: لا يَصِح الصَّوم في الإِغْمَاء فهاهنا أولى وإن قلنا: يصح فوجهان: والأصح: أن عليه القَضَاءِ؛ لأنه كان بِصُنْعِهِ، ولو شرب المُسْكِر لَيْلاً، وبقي سُكُرهُ فِي جَمِيع النَّهَار، فعليه القَضَاء، وَإِنْ بَقِيَ النَّهَارِ، ثُمَّ صَحَا فَهُوَ كَالإغْمَاءِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، قاله في "التتمة". وأما لفظ الكِتَاب فمسألتا الجُنون، والنَّوْمُ معَلَّمَتَانِ بالواو؛ لما حكينا من الوجهين.