وقوله: (في الإغماء أقوال) يجوز إعلامه "بالواو" للطريقة النافية للخِلاَف، وما أَطْلَقه من الأقْوَال محمولٌ على طَريقة إِثْبَات الأَقْوَال الخَمْسَة، لكنه ذكر منها ثلاثة:
أحدها: المُخَرَّج الَّذِي اختاره المُزَنِي، وهو قوله: "كالنوم".
والثَّاني: منصوصة في بعض كتبه، وهو قوله: (كالجنون).
والثَّالث: منصوصه في "باب الظِّهَار".
وأما القولان الباقيان فلم يذكرهما، ولو حملنا ما أطلقه على الأقوال الثَّلاثة التي ذكرها وقدرنا حصره خلاف المسألة فيها لكان صَاحب الكتابِ منفرداً بنقل هذه الطريقة.
وقوله: (كالنوم أو كالجنون) التشبيه بهما مَبنِيٌّ عَلى ظَاهِرِ المَذْهَبِ فِيهِمَا، وجعله القول الثالث أصح الأقوال خلاف ما ذَكَرَهُ الجُمْهُورُ، وإنما الأَصَح عِنْدَهُمْ ما قدَّمْنَا ذِكْره، وما أطلقه من عبارات الزَّوال والانغمار والاستتار فإنما أخذه من الإمام حيث جعل لاختلال العقل مراتب:
أحدها: الجنون، وهو يسلب خواص الإنسان، ويكاد يلحقه بالبَهَائم.
والثانية: الأغماء، وهو يُغْشِي العقل، ويغلُب عليه حتى لا يبقى في دفعه اختيار.
والثالثة: النوم وهو مزيل للتمييز، لكنه سَهْلُ الإزَالَةِ، والعقل معه كالشَّيْءِ المَسْتُور الَّذِي يَسْهُلُ الكَشْفُ عنه، قال: ودونها مرتبة رابعةٌ وهي الغَفْلَة، ولا أثر لَهَا فِي الصَّوْمِ وِفَاقاً.
قال الغزالي: الرَّابعُ الوَقْتُ القَابِلُ لِلصَّومِ وَهُوَ جَمِيعُ الأَيَّامِ إلاَّ يَوْمِ العِيدَيْنِ (ح) وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ (و) وَلاَ يصحُّ صَوْمُ المُتَمَتَّع فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقَ عَلَى الجَدِيدِ، وَصَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ صَحِيحٌ إنْ وَافَقَ نَذْراً أَوْ قَضَاءاً أَوْ وِرْداً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ فَهُوَ مَنهِيٌّ (م ح) وَفِي صحَّتِهِ وَجْهَانِ كَالصَّلاَةِ فِي الأَوْقَاتِ المَكْرُوهَةِ، وَيوْمُ الشَّكِّ أَنْ يَتَحَدَّث بِرُؤْيَةِ الهِلاَلِ مَن لاَ يَثْبُتُ الهِلاَلُ بِشِهَادَتِهِ كَالعَبِيدِ وَالفُسَّاقِ.
قال الرافعي: أيام السَّنَةِ تنقسم إلى الشَّك وغيره، وغيره ينقسم إلى يَوْمَي العِيد، وأيَّام التَّشْرِيق، وغيرها.
فأما غيرها من الأيام فهو قابلٌ للصوم بلا استثناء. وأما يومَا العيد فلا يقبلانه خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله-؛ لأن عنده لو نَذَرَ صومهما كان له أن صَوْمَ فيهما. لنا: أنه روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ: يَومِ