للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالسَّفَرُ الطَّوِيلُ، وَطَارِئُ المَرَضِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مُبِيحُ، وَطَارِئُ السَّفَر لاَ يُبِيحُ، وَإذَا زَالاَ وَهُوَ غيْرِ مُفْطِرٍ لَمْ يُبَحِ الإفْطَار، وَالمُسَافرُ إِذَا أَصْبَحَ عَلَى نِيَّةِ الصَّوْمِ فَلَهُ الإفْطَارُ، وَالصَّومُ أَحَبُّ مِنَ الفِطْرِ فِي السَّفَرِ لِتَبْرِئَةِ الذِّمَّة إلاَّ إِذَا كَانَ يَتَضَرَرُ بِهِ.

قال الرافعي: كلام هذا القسم في مُبِيحَاتِ الإِفْطَار، ثُمَّ في أحكامه.

أما المبيح فالمرض والسفر مبيحان بالإجماع، والنص، قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (١) الآية، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنِ المُسَافِرِ الصَّوْمِ، وَشَطْرَ الصَّلاَةِ" (٢).

وَشَرْطُ كَونِ المَرَضِ مُبيحاً، أن يجهده الصَّوْم مَعَه، ويلحقه ضَرَرٌ بشق احتماله على ما عَدَدْنَا وجوه المَضَار في التَّيَمُّم، ثم المرض إن كان مُطْبِقاَ فَلَهُ تَرْكُ النِّية باللَّيْلِ، وإن كان يُحَم وتنقطع نظر إن كان مَحْمُوماً وَقْتَ الشّروع، فله تَرْكُ النية، وإلا فَعَلَيِه أَنْ يَنْوِيَ مِنَ اللَّيْلِ، ثم إنْ عَاد واحتاج إلَى الإفْطَار أفطر، وشرط كُوْنِ السَّفَرِ مُبِيحاً أَنْ يَكُونَ طَوِيلاً مباحاً كما سبق في القَصْر. ثم في الفَصْل مسائل:

إحداها: لو أَصْبَح صَائِماً وهو صَحِيح، فمرض في أَثْنَاء النَّهَارِ، كان له أن يفطر لوجود المعنى المُحْوِج إلَى الإفْطَارِ مِنْ غَيْرِ اختياره، ولو أصبح صَائِماً مقيماً، ثُمَّ سَافَر لم يَجُزْ لَهُ أن يفطر في ذَلَكَ اليَوْمِ خلافاً لأحمد في رواية، وللمزني.

لنا: أن الصَّوْمَ عِبَادة تَخْتَلِفُ بالسَّفَرِ والحَضَرِ، فإذا أنشأَها فِي الحَضَر، ثم سافر غَلَب حكم الحضر، كالصلاة، واحتج المزني بأن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صَامَ فِي مَخْرَجِهِ إلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى بَلَغ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، ثُمَّ أَفْطَرَ" (٣). وبنى هذا الاحتجاج على ظنه أن ذلك كان في يَوْمٍ وَاحِدٍ. قال الأصحاب: وهو وَهْمٌ فإن بين المدينة وكراع الغميم مَسِيرةَ ثَمَانِيَة أَيَّام، والمراد من الحَدِيث أَنَّهُ صَامَ أَيَّاماً فِي سَفَرِهِ، ثم أفطر، وقد قيل: إن المزني تَبَيَّن لَهُ ذَلِكَ، ثم رجع عن هَذَا الاحْتِجَاجِّ، وإن لم يرجع عن مذهبه.

وقوله في الكتاب: (وطارئ السفر لا يبيح)، يجوز أن يُعَلَّم مَعَ الألف والزاي بالوَاوِ؛ لأن الحَنَّاطِيَّ حَكَى طريقاً أن المَسْأَلة عَلَى وَجْهَيْنِ، وأيضاً فإن الموفق ابن طاهر زعم أن ابن خَيْرَانَ أشار إليه، وعلى المذهب الصَّحيح لو أفطر بالجِمَاعِ لزمه الكفارة


(١) سورة البقرة، الآية ١٨٤.
(٢) أخرجه النسائي (٤/ ١٧٨) من رواية عمرو بن أمية الضمري، وأخرجه أبو داود (٢٤٠٨) والترمذي (٧١٥) والنسائي (٤/ ١٨٠) وابن ماجه (١٦٦٧).
(٣) أخرجه مسلم (١١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>