للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلافاً لِأَبِي حَنِيفة، ومالك ولأحمد في إحدى الروايتين.

ولو نوى المقيم بالليل، ثم سَافَرَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْرِ فَإِنْ فَارَقَ العُمْرَان قَبْلَ الطُّلُوعِ فَلَهُ أن يفطر، وإن فارقة بعد الطُّلُوعِ فَلاَ، لأن ابتداء صَوْمِهِ وَقَعَ في الحَضَرِ.

الثَّانِية: لَوْ أصْبَحَ المُسَافِرِ صَائِماً، ثُمَّ أَقَام في خِلاَلِ النَّهَار، فهل له أن يفطر؟ ظاهر المذهب وبه قال أبُو إسْحَاق أَنَّهُ لَمْسَ لَهُ ذَلِك، كما لو افتتح الصَّلاَة في السَّفَرِ، ثم نوى الإِقَامة في أَثّنَائِهَا، أَوْ سَارَت بهِ السَّفِينة فَدَخَل البَلد، وهذا هو الَّذِي ذَكَرَه في الْكِتَاب، وعن ابْنِ أبي هُرَيْرَة أن له الفِطْر لأن الفطر مُبَاحٌ لَهُ في أَوَّلِ النَّهَارِ مع العلم بحال اليوم، فكذلك في آخره، كما لو استدام السَّفر.

ونقل عن "الحاوي" أن هذا هو المنصوص في حرملة.

ولو أصبح المريض صائماً ثم برأ في خلال النهار، فقد قطع كثيرون بأنه لا يجوز له الإِفْطَار، وطرد صاحب "المهذب" حكاية الوجهين فيه ولعله الأولى.

الثالثة: المسافر إذا أَصْبَح على نِيَّةِ الصَّوْمِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ الفطر جاز له أن يفطر لدوام العذر، وقد روي أن النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْطَرَ بَعْدَ الْعَصْرِ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ بِقَدَح مَاءٍ، لَمَّا قِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ يَشُقُّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ" (١).

وأبدى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحاق، والإمام في المسألة احْتِمَالاً، وَوَجْهاً. بأنه شَرَعَ في فرض المقيمين فَلْيَلْزَمه، كَمَا لَوْ شَرَعَ في الصَّلاَةِ مُتِماً ثم أراد القَصْرَ، وإذا قلنا: بالمُشْهُور، فهل يكره له الإفطار؟ فيه وجهان عن القاضي الحُسَيْنِ.

الرابعة: لِلْمُسَافِر أنْ يَصُوم، وله أن يفطر لِما روي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "غَزَوْنَا مَعَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنَّا مَن صَامَ، وَمِنَّا مَن أَفْطَرَ، فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ المفْطر عَلَى الصَّائِمِ" (٢). وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لحمزة بن عمرو الأسْلَمِي -رضي الله عنه-: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ" (٣). وأيهما أفْضَلُ؟ إن كَانَ لاَ يَتَضَّررُ بِالصَّومِ، فالصَّوْمُ أَفْضَلُ.

وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقد ذكرنا وَجْهِه، وما يُحْكَى فِيهِ من الخِلاف في صلاة المُسَافِرين، وإن كَانَ يتضرر بالصَّوْم فالْفِطرُ أَفْضَلُ لَه، لِما روي عن جَابِرِ -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- زَمَاَنَ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَمَرَّ بِرَجُلٍ في ظِلِّ شَجَرَةٍ، يُرَشُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ، فَقَالَ مَا بَالُ هَذا؟ قَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي


(١) انظر الحديث السابق.
(٢) أخرجه مسلم (١١١٦).
(٣) أخرجه البخاري (١٩٤٢، ١٩٤٣) ومسلم (١١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>