للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز أن يُعَلَّم بِالْوَاو أَيحضّ لِأُمورٍ ثَلاثَةٍ:

أحَدهَا: أن فيما علق عن الشَّيْخِ أَبِي محمد رحمه الله حكاية قول مثل مذهب مالك.

والثاني: أن المُحَامِلِي ذكر أن المُزَنِي نَقَل في "المنثور" عن الشافعي -رضي الله عنه- مِثْل قول أبي حنيفة.

والثالث: أن المُحَامِلِيّ في آخرين حَكَوا عَنِ ابْنِ سُرَيجٍ مثل مَذْهَبِ مَالِكٍ، وهذا ينافي ما نقل عنه في الإغْمَاء، ويشبه أن يكون أَحَدُهُمَا غَلَطاً، وهذا أقرب إليهِ، لأن كل من نقله ضَعَّفَه. وقوله: (وما فات من بعض الشهر في أيام الجنون لا يقضى) جَارٍ مَجْرَى التوكيد، والإِيضَاح، وإلا فقوله (على من ترك بجنون) يتناوله بإطلاقه، ولو أعدت العلامات على قولِهِ (لا يقضى) لأصبت.

أما علامة أبي حنيفة فظاهرة وأما غيرها فلأن من يأمر بالقضاء إذا استغرق الجُنون الشَّهْر أولى أن يأمر به عِنْدَ عَدَم الاسْتِغْرَاق، وما ذكرنا كله في الجُنُونِ الذِى لَمْ يَتَّصِلْ بسبب يَقْتَضِي القَضَاء، فأما إِذَا ارتَدَّ ثُمَّ جُنَّ، أو سكر، ثم جُنَّ، فقد روى الحَنَّاطِيّ فيه وجهين في لزوم القَضَاء، ولَعَلَّ الظَّاهِرَ الفرق بين اتصاله بالرِّدَّةِ واتصاله بالسُّكْرِ كَمَا مَرَّ في الصَّلاة. وقوله: (ولو أفاق في أَثْنَاء النَّهَارِ ففي قضاء ذلك اليَوْمِ وَجْهَانِ) هذه الصُّورة معادة في درج زوال سَائِرِ الأعذار في أَثْنَاءَ النَّهَارِ، حيث قال: (وفي وجوب قضاء هذا اليوم تردد). وسنشرحه. ولا يجب التَّتابِع في قضاء رمضان، لما روي أن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: "سُئِلَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ فقال: "إِنْ شَاءَ فرَّقَهُ، وإنْ شَاءَ تَابَعَهُ" (١) ويستحب ذلك، لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: قال "مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلاَ يَقْطَعْهُ" (٢).

واعلم قوله: (ولا يجب) بالميم، لأن الإِمام نقل عن مالك -رحمهما الله- إيجاب التَّتابع فيه، وتابعه المُصَنِّف، لكَن الذي رَوَاه الأكْثَرُونَ عن مالك: أنه لا يجب التَّتابع فيه، وإنما حكوا هَذَا المَذْهَب عَنْ دَاودَ، وبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهر، وذكروا أنهم وإن أوجبوه لَمْ يشرطوه للصِّحَّة.


= والثاني: أن النائم والمغمى عليه عاجزان عن استعمال العقل، ولا فرق بين العديم والعاجز في حق الاستعمال، وأما المجنون المستوعب -قلنا: وجوب القضاء امتنع لمانع وهو الحرج، وإن كان ما ذكرنا من المقتضى موجوداً، أما ههنا بخلافه. ينظر طريقة الخلاف ٦٩، ٧٠.
(١) أخرجه الدارقطني (٢/ ١٩٣) من رواية ابن عمر ثم قال: لم يسنده غير سفيان بن بشر، وقال البيهقي حديث لا يصح، انظر خلاصة البدر (١/ ٣٢٩).
(٢) أخرجه الدارقطني (٢/ ١٩٢) والبيهقي من رواية أبي هريرة وقال هذا حديث لا يصح فيه عبد الرحمن وأُبيّ بن إبراهيم الكرماني، ضعفه ابن معين والنسائي والدارقطني.

<<  <  ج: ص:  >  >>