قال الغزالي: الثَّانِي: الإمْسَاكُ تَشبهاً بالصَّائِمينَ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُتَعَدِّ بالإِفْطَارِ في شَهْرِ رَمَضَانَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى مَنْ أُبِيحَ لَهُ الفِطْرُ إِبَاحَةً حَقِيقِيَّةً كالمُسَافرِ (ح) والمَرِيضِ (ح) بَعْدَ القُدُومِ وَالبُرْءِ في بَقِيَّةِ النَّهارِ، وَبجِبُ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِراً إِذَا بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الصَّحِيحِ.
قال الرافعي: الإمساكُ تشبيهاً بالصَّائِمِينَ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، كالكفارة، فلا إمساك على من تَعَدَّى بِالإفْطَارِ في نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ.
قال الإمام: والأمر بالأمساك مشبه بالتَّغْلِيظ وطرف من العقوبة، ومضادة القَصْد، ثم الممسك متشبه وليس في عبادة بخلاف المُحْرِم إذا أَفْسَد إِحْرَامَه، ويظهر أثره في أن المُحْرِم بَعْدَ فَسَادِ إِحْرَامه لَو ارْتَكَب مَحْظوراً لزمته الفدية، والممسك لو ارتكب محظوراً لا يلزمه شَيْءٌ سوى الإِثم، وفي الفصل صور.
إحداها: يجب الإمساك على كل من تَعَدَّى بالإِفْطَار في رَمضَان، وكذا لو ارتد أو نوى الخُروجَ مِنَ الصَّوْمِ. إن قلنا إنه يبطل بنية الخروج، ويجب أيضاً على من نَسِي النِّيَّة من اللَّيْل، وكان نسيانه يُشْعِرُ بِتَرْكِ الاهتمام بأمْرِ العِبَادَةِ، فهو ضَرْبُ تَقْصِيرٍ، ويجوز أن يوجه الَأمر بالأمساك بأن الأكل في نَهَارِ رمضان حَرَام على غير المعذور، فإن فاته الصَّوْم بتقصير أو غير تقصير لَمْ يرتفع التحريم. الثانية: لو أقام المسافر أَوْ بَرَأَ المريضُ اللَّذان يباح لَهُمَا الإِفْطَار في أثناء النَّهار، فلهما ثلاث أحوال:
إحداها: أن يُصْبِحَا صَائِمَيْن، وداما عليه إلى زَوَال العُذْرِ، فقد ذَكَرْنَا المَذْهَب، وخلاف ابن أبِي هُرَيْرَة فيه. والثانية: أن يزول عُذْرُهُمَا بَعْدَمَا أَفْطَرَ، فيستحب لَهُمَا الإِمْسَاكُ لِحُرمةِ الوَقْتِ، ولا يجب.
وبه قال مَالِكٌ خلافاً لِأَبي حنِيفَة -رحمه الله- حيث أوجبه.
وبه قال أحمد في أصح الروايتين.
لنا أن زَوَالَ العُذْرِ بَعْدَ التَّرَخُّصِ، لا يؤَثِّر كما لو قَصَر المُسَافِرُ، ثم أقام والوقت بَاقٍ، وإذا أكلا فَلْيُخْفِيَاه كَيْلاَ يَتَعَرَّضَا لِلتُّهْمَة، وَعُقُوبَةِ السُّلْطَانِ، وَلَهُمَا الجِمَاع بعد زَوال العُذْرِ إذا لم تكن المرأةِ صَائِمةً بأن كانت صَغِيرةً، أو طهرت من الحَيْضِ ذَلِك اليَوْم.
والثالثة: أن يُصْبِحَا غَيْر نَاوِيَيْن، وَيزولُ العُذْرُ قَبْل أن يأْكُلاَ، فَهَل يَلْزَمُهُمَا الإِمْسَاكُ؟ فيه وجهان:
أَحَدُهُمَا: نعم، كما لو يصل المُسَافِرُ حَتَّى أَقامَ، لاَ يَجُوزُ لَهُ القَصْرُ.
وأصحهما: أنه لا يَلْزِمَهُ، لأن من أَصْبَحَ تَارِكاً للِنِّية فَقَدْ أَصْبَحَ مُفْطِراً، وكان كما