للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجِبُ في وَجْهٍ، وَيجِبُ عَلَى الكَافِرِ دُونَهُمَا في وَجْهٍ، وَبَجَبُ عَلى الصَّبيِّ وَالكافِرِ دُونَ المَجْنونِ في وَجْهٍ لأنَّهُمَا مَأْمُورَانِ عَلَى الجُمْلَةِ، وَفي وُجُوبِ قَضَاءِ هَذَا اليَوْمِ أَيْضاً تَرَدُّدٌ.

قال الرافعي: إذا بلغ الصَّبِيُّ، أَو أَفَاقَ المجنونُ، أو أسلم الكَافِرُ في أَثْنَاء يَوْمٍ -مِنْ رمضانَ، فَهَلْ- يَلْزَمُهُم إمْسَاكُ بقية اليَوْم؟ فيه أربعة أوجه:

أصحهما: لا؛ لأنهم لم يدركوا وقتاً يَسَعُ الصَّوم، ولا أمروا به، والإمساك تَبَعٌ لِلصَّوْمِ، ولأنهم أفطروا بِعُذْرٍ فأشبهوا المُسَافِر والمريض.

والثاني: نعم؛ لأنهم أَدْرَكُوا وَقْتَ الإِمْسَاك وإن لم يدركوا وَقْتَ الصَّوْمِ.

والثالث: أنه يجب على الكافر دون الصَبِيِّ والمجنُونِ، فَإنَّهُمَا مَعْذُورَانِ، لَيْسَ إِلَيْهِمَا إِزَالة مَا بِهِمَا، والكافر مأمورٌ بِتَركِ الكُفْرِ، والإتْيَانِ بِالصَّوْمِ.

والرَّابعُ: أنه يجب عَلَى الصَّبِيِّ، والكَافِر دُونَ المَجْنُون. أما الكَافِرُ فَلِمَا ذكر.

وأما الصَّبِيّ، فلأنه مُتَمَكِّن مِن الإِتْيَان بالصَّوْمِ، مَأمُور به أمر تدريب على مَا مَرَّ في الصَّلاة بخلاف المَجْنُون.

وقوله في الكتاب: (لم يجب الإِمسَاك) مُعَلَّم بالْحَاء، لأن مذهب أَبِي حنيفة -رحمه الله- مثل الوَجْهِ الثَّانِي بِالأَلِفِ؛ لأنه أَصَحّ الرِوَاَيَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.

وقوله: (ويجب) بالميم؛ لأن مذهب مالك كَالْوَجهِ الأول.

وإذا فهمت هذه الوجوه عرفت أن الكافر أولاهم بالوُجُوب والمَجْنُونُ أَوْلاَهُم بِالمَنْعِ، والصَّبِيّ بَيْنَهُمَا، ذلك أن ترتب فتقول، في وجوب الَإمْسَاك على الكَافِرِ وَجْهَان: إن أوجبنا فَفِي الصَّبي وجهان: إن أوجبنا ففي المجنون وجهان، ولك أن تعكس، فتقول: في وجوبه على المجنون وجْهَان. إن لم يَجِبْ ففي الصَّبِيِّ وجْهان.

وإن لم يَجِبْ فَفِي الكَافِرِ وجْهَان، ولهذا الترتيب نَقَلَ صَاحِبُ "المُعْتَمد" طريقةً قاطعةً بالوُجُوب عَلَى الكَافِرِ. هذا بَيَانُ الخلاف في وُجوب الإمْسَاك، وهل عليهم قَضَاءُ اليَوْمِ الَّذِي زَالَ العُذْرُ في خِلاَلِهِ؟ أما الصَّبِيّ إذا بلغ في حِلاَل النَّهَارِ، فينظر إن كان نَاوياً من اللَّيْلِ صَائِماً فظاهر المَذْهَبِ أنه لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَيلزَمه الإِتْمَام.

ولو جَامَعَ بَعْدَ البُلُوغِ فِيه فعليه الكَفَّارة، وفيه وجه: أنه يُسْتَحب الإِتْمَام ويلزمه القَضَاء؛ لأنه لم ينو الفَرْض، ويحكى هذا عن ابْنِ سُرَيْجٍ، وإن أصبح مُفْطِراً فَفِيه وَجْهَان: وقال في "التهذيب" قولان:

أحدهما: أنه يَلْزَمُه القَضَاءُ كما إِذَا أدْركَ شيئاً مِنَ الوَقْتِ يَلْزِمَهُ الصَّلاة.

وأَصَّحهما: وبه قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ -رحمه الله-: لا يَلْزَم، وَقَدْ ذَكَرنَا الفَرْق بين

<<  <  ج: ص:  >  >>