للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: قوله: "ولا يُحَاذِي بها الشمس، والقمر، والقبلة، استقبالاً، واستدباراً، يقتضي المنع من استقبال الشمس والقمر، واستدبارهما جميعاً، كالقبلة سواء رجع قوله "استقبالاً واستدباراً" إلى الشمس والقمر، والقبلة، أو إلى القبلة وحدها، أما على التقدير الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأن لفظة المحاذاة، وهي تشمل الاستقبال والاستدبار. وأكثر الكتب ساكتة عن استدبارهما، وإن كان المنع عن استقبالهما مشهوراً، لكنه صحيح حكاه في البيان عن الضيمري ورأيته في الشافي، لأبي العباس الجرجاني، وفي الخبر ما يدل عليه.

الثاني: ظاهر كلامه يقتضي عَوْدَ الاستثناء في قوله: "إلا إذا كان في بناء" إلى الشمس، والقمر، والقبلة جميعاً؛ ولا شك أنه ليس كذلك؛ بل هو مخصوص بِالقِبْلَةِ، ثم الاحتراز عن استقبال النَّيرينِ واستدبارها ليس بواجب بحال، وإنما هو أَدَبٌ، والاحتراز عن استقبال الكعبة واستَدبارهما أدب في حال، وواجب في حال، كما سبق بيانه. وإذاعرفت ذلك فيتوجه للناظر أن يقول: إن أراد الإمام بالمنع حالة التحريم لم يحسن درجة في جملة الآداب، ولا الجمع بين القبلة والشمس والقمر في جملة واحدة، وإن أراد حالة الكراهة، فلم استثنى ما إذا كان في بناء، والأدب الاحتراز في البناء أيضاً؟

قال الغزالي: وَلاَ يَبُولَ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ وَلاَ فِي الجِحَرَةِ وَلاَ تَحْتَ الأَشْجَارِ المُثْمِرَةِ وَلاَ فِي مَهَابِّ الرِّيَاحِ اسْتِنزَاهاً مِنَ البَوْلِ.

قال الرافعي: ومن الآداب: أن لا يبول في الماء الرَّاكِدِ؛ لما روى: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَبولُ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ" (١) ويروى: "فِي الرَّاكِدِ". وهذا المَنْعُ يَشْمَلُ القليل والكثير؛ لما فيه من إلاسْتِقْذَارِ، ثم إن كان قليلاً ففيه شيء آخر، وهو أنه تنجيس للماء، وتعطيل لفوائده فإن كان بالليل زاد شيء آخر، وهو ما قيل: أن الماء بالليل للجِنِّ، فلا يبغي أن يبال فيه، ولا يغتسل؛ خوفًا من آفة تصيب من جهتهم.

ومنها: أن لا يبول في الحُجْرَةِ؛ لما روى قتادة عن عبد الله بن سرجس، "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْهُ. قِيلَ لِقَتَادَةَ: مَا بَالُ الجُحْرَةِ؟ قَالَ: يُقَالُ: إِنَّهَا مَسَاكِنُ الجِنِّ" (٢).


= لم يدرك معاذاً، كما قاله المزي وغيره وهو في نفسه مجهول كما قاله ابن القطان، وانظر التلخيص ١/ ١٠٥.
(١) متفق عليه، والرواية الآتية عند ابن ماجة.
(٢) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وقال علي بن المديني: سمع قتادة من عبد الله انظر الخلاصة لابن الملقن ١/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>