وثانيها: أن السكر يبطله لامتداد زمانه، والرِّدَّة كذلك إن طال زَمَانُهَا، وإلا فيبنى، وكلامه في الردة محمول على حالة طُولِ الزمان.
وثالثها: ولم يورده إلا لإمام، وصَاحب الكتاب رحمهما الله أن الرِّدة تُبْطِلُ، لِأنها تفوت شرط العبادة، والسكر لا يبطل، كالنوم والإغماء، وهو خلاف النَّصين.
ورابعها: وهو الأصَح، ويحكى ذلك عن الرّبيع: أنهما جميعاً مُبْطِلان، فإن كل واحد منها أَشَد من الخروج من المسجد، فإذا كان ذلك مبطلاً للإعتكاف فهما أولى، وَنُّصه في الرِّدة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متتابعاً، وإذا عاد إلى الإسلام يبنى على ما مضى، لأن الردة لا تحبط العِبَادات السَّابقة عندنا، ونصه في السكر مفروض في الإعتكاف المتتابع، والله أعلم. وأعرف في لفظ الكتاب شيئين:
أحدهما: أنه يشعر بأن الخلاف في أن الرِّدَّة والسُّكْر هَلْ يخلان بالإعتكاف أم يستمر معهما بحالة؟ فإنه جعلهما مانعين من الصِّحة إبتداه، وفرض الخلاف في الفساد بعروضهما، وكلام الإمام كالمصرح بمثل ذلك، وليس هو بِمُسَاعَدٍ عليه، بل الأصحاب جعلوا الخَلاَف في أنه هل يبقى ما تَقَدَّم على الردة والسكر معتداً بِهِ حتى يبنى عليه، أمْ يَبْطُل حَتَّى يحتاجَ إِلىَ الاسْتِئنَافِ إذا كان الإعتكاف متتابعاً؟ فأما زمان الردة والسكر فالمفهوم من نَصّ الشافعي -رضي الله عنه- أنه لا اعتكاف فيه، فإن الكلام في أنه يبنى أو يستأنف إنما ينتظم عند حُصُولِ الاختِلال فِي الحَالِ، وقد نَصَّ أبو علي وغيره، على أن أيام الرِّدَّة غير محسوبة من الإعتكاف بلاَ شَك، إذ ليس للمرتد أهلية العبادة، ونقل صاحب "التهذيب" في احتساب زمان السُّكَرِ وجهين، وقال: المذهب المنع.
والثَّاني: أن إيراد الكتاب يقتضي تَرْجِيح الطريق الذي عَزَيْنَاه إلى رواية الإمام، وصاحب الكتاب، وقد صرح به في "الوسيط" ولم ير لغيرهما نقله فضلاً عن ترجيحه، ولو جُنَّ أو أغمى في عليه في خِلاَل الإعتكاف، فإن لم يخرج من المَسْجِدِ لم يبطل اعتكافهُ، لأنه معذور فيما عرض، وإن أخرج نظر إن لم يمكن حفظه في المسجد فكذلك، لِأنه لم يحصل الخروج باختياره، فأشبه ما لو حمل العَاقِلُ، وأُخْرِجَ مَكْرَهاً، وإن أمكن ولكن شق ففيه الخلاف الذي نذكره في المريض إذا خرج، قال في "التتمة": ولا يحسب زمان المجنون من الاعتكافِ، لأن العبادات البدنية لا تَصِح من المُجْنُون، وزمان الإغماء يحسب على المَذْهب، وفيه خلاف تحرجاً مما لو أغْمي عَلَى الصَّائِم. وأما اعتبار النقاء من الجنابة والحيض فيخرج منه الحَائِض والجُنُب، فلا يصح منهما الإعتكاف، ومتى طرأ الحيض على المعتكفة فعليها الخُروجُ مِنَ المسْجِدِ، ولو مَكثَت لم يحسب من الإعتكاف، وهل يبطل ما سبق أم يجوز البَنَاء عليه في الإعتكاف المتتابع؟ وقد ذكره في الفصل الثالث.