للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أظهر عند الأكثرين، وحكاه الرَّويَانِي عن نَصِّه في "الإملاء" وفي عبارة "المختصر" ما يدل عليه، ولو عطش ولم يجد الماء في المَسْجِد فهو مَعْذُور في الخُرُوجِ، وإن وجده فَهَلْ له الخروج لِلشُّرْبِ؟ فيه وجهان:

أصحهما: لا، فإنه لا يستحي منه، ولا يعد تركه من المروءة بخلاف الأكْلِ، وقد أطلق في "التَّنْبِيهِ" القول بأن الخروج للأكل والشرب لا يَضُر، والوَجْهُ تأويله، ثم في الفَصْلِ مسَائِل:

إحداها: أوقات الخروج لقضاء الحَاجَةِ لا يجب تَدَاركُها، وله مَأْخَذَانِ.

أحدهما: أن الاعتكاف مستمر في أوقات الخروج لقضاء الحاجة، ولذلك لو جَامَعَ في ذلك الوَقْتِ بطل اعتكافه على الصَّحِيح.

والثاني: أن زمان الخروج لقضاء الحَاجَةِ جُعِلَ كالمستثنى لفظاً عن المدة المنذورة، لأنه لا بُدَّ منه، وإذا فرغ وَعَادَ لم يحتج إلى تجديد النِّية أما على المأخذ الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأن اشتراط التتابع في الابتداء رابطة تجمع ما سوى تلك الأوقات، ومنهم من قال: إن طال الزمان ففي لزوم التَّجْدِيدِ وَجْهَان، كما لو أراد البناء على الوُضوء بعد التفريق الكَثِير، ويجوز أن يعلم لهذا قوله: (ولا يجب تجديد النية) بالواو، فإنه أطْلَق الكلامَ إِطْلاَقاً.

الثانية: لو كان في المسجد سقاية لم يكلف قضاء الحاجة فيها، لما فيه من المَشَقَّة وسقوط المُرُوءة، وكذا لو كان في جِوَار المَسْجِدِ صديق له وأمكنه دخول داره، فإن فيه مع ذلك قبول منه، بل له الخروج إلى دَارِه إن كانت قريبةً أو بعيدةً غير متفاحشة البعد، فإن تفاحش بعدها فَفِيه وَجْهَان:

أحدهما: يجوز أيضاً لما سبق، ولفظ الكتاب يوافق هذا الوَجْهَ لإِطْلاَقِهِ القول بأنه لا فرق بين قُرْبِ الدَّارِ وَبَعْدِهَا.

والثاني: المنع؛ لأنه قد يأْتيه البَوْلُ إلى أن يرجع فيبقى طول يومه في الذِّهاب، والمجيء إلا أن لاَ يَجِد في الطَّريق موضعاً لِلْفَراغ، أو كان لا يليق بحاله أن يدخل لِقَضَاء الحَاجَة غير دَارِه، ونقل الإمام فيما إذا كَثُر خروجه لعارض يقتضيه الوجهين أيضاً، وقال: من أئمتنا من نظر إلى جنس قضاء الحَاجَة، ومنهم من خصص عدم تأثيره بما إذا قرب الزَّمان وقصر، وبالأول أجاب صَاحِبَ الكِتَاب، وهو قضية إطلاق المعظم لكن فيما إذا تفاحش البعد وجه المنع أظهر عند أئمتنا العراقيين. وذكر الرّويَانِي في "التجربة" أنه المذهب، ولو كانت له داران كل واحدة منهما بحيث يجوز الخروج إليها لو انفردت، وإحداهما أقرب، ففي جواز الخروج إلى الأخرى وَجْهَان:

<<  <  ج: ص:  >  >>