للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وبه قال ابن أبي هريرة: يجوز كما لو انفردت.

وأصحهما: لا يجوز للاستغناء عنه، ولا يشترط لجواز الخُروج إرْهَاق الطبيعة، وشدة الحَاجَة، وإذا خرج لم يكلف الإسراع، بل يمشي على سَجِيَّتِهِ المَعْهُودة (١).

الثَّالثة: لا يجوز الخروج لعيادة المريض، ولا لصلاة الجنازة (٢)، ولو خرج لِقَضَاءِ الحَاجَةِ فعاد في الطريق مَرِيضاً نظر إن لم يقف ولا ازَّوَرَّ عن الطريق، بل اقتصر على السَّلاَم والسؤال فلا بأس، والوقف وأطال بطل اعْتكَافُه، وإن لم يطلُ ففيه وجهان مَنْقُولاَنِ في "التتمة" و"العدة"، والأصح أنه لا بأس به، وادعى الإمام إجماع الأصْحَاب عليه، ولو ازور عن الطريق قليلاً فعاده فقد جعلاه على هذين الوجهين، والأصح المَنْعُ لما فيه من إنشاء سَيْرٍ لُغَيْرِ قَضَاءِ الحَاجَةِ، وقد روي "أَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لاَ يَسْأَلُ عَلَى الْمَرِيضِ إِلاَّ مَارّاً في اعْتِكَافِهِ، وَلاَ تُعَرِّجُ عليه" (٣) وإذا كان المريض فِي بَيْتٍ من الدَّارِ التي يدخلها لقضاء الحاجة فالعدول لعيادته قليل، وإن كان في دار أخرى فكثير، ولو خرج لقضاء الحَاجة فَصَلَّى في الطريق على جنازة فلا بأس إذا لم ينتظرها ولا ازور عن الطريق، وحكى صاحب "التتمة" فيه الوجهين؛ لأن في صَلاَة الجنازة يفتقر إلى الوَقْفَة.

وقال في "التهذيب": إن كانت متعينة فلا بأس، إلا فوجهان، والأظهر الأَوَّلُ، وجعل الإمام قَدْرَ صَلاَةِ الجنازة حَدَّ الوقفة اليسيرة، وتابعه المُصَنِّف واحتملاه لجميع الأغراض. منها: أن يأكل لُقَماً إذا فرعنا على أنه لا يجوز الخُروجُ لِلأَكْلِ، لكن لو جامع في مروره بأن كان في هَوْدَج أو فرض ذلك في وقفة يسيرة ففي بطلان اعتكافه وجهان: أصحهما: وهو المذكور في الكتابَ: أنه يبطل، أما إذا قلنا باستمرار الاعتكاف في أوقات الخروج لقضاء الحاجة فظاهر، وأما إذا لم نقل به فلأن الجماع عظيم الوقع، فالاشتغال به أشد إعْرَاضَاً عَنِ العِبَادَةِ من إطالة الوقفة في عيادة مريض.

والثاني: أنه لا يبطل، لأنه غير مُعْتَكِفٍ في تلك الحالة ولم يصرف إليه زماناً، وإذا فرغ من قضاء الحَاجَةِ واستنجى لم يلزمه نَقْل الوضوء إلى المَسْجِدِ، بل يقع ذلك تابعاً، بخلاف ما إذا احْتَاج إلى الوضوء من غير قضاء الحاجة، كما لو قام من النَّوْمِ لا


(١) قال النووي: "فلو تأنى أكثر من عادته. بطل اعتكافه على المذهب، ذكره في "البحر". ينظر الروضة (٢/ ٢٧١).
(٢) قال في الخادم: أطلق وهو مقيد بما إذا لم يكن قريباً للمريض وله من يقوم به، أما إذا كان من ذوي رحمه وليس له من يقوم به غيره فيجوز له الخروج: قال الماوردي وصرح بأنه مأمور بالخروج لذلك وإذا أعاد بني وقيل ليستأنف. ينظر الروضة (٢/ ٢٧١).
(٣) أخرجه أبو داود (٢٤٧٢) بإسناد ضعيف من رواية عائشة -رضي الله عنها-، ومسلم (٢٩٧) موقوفاً عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>