والثاني: نعم، لأن المرض لا يغلب عروضه بخلاف قَضَاء الحَاجَةِ والحيض، فإنه يتكررَ غالِباً، فيجعل كالمستثنى لَفْظاً، والقول الأَوَّلُ منصوصٌ عليه في "المختصر"، والثاني مُخَرَّج، خَرَّجُوِه من أحد القولين، في أن المَرَضَ يقطع تتابع الصَّوْمِ في الكَفَّارة.
الثالث: المرض الذي يخاف منه تَلْوَيث المَسْجِد، كانطلاق البَطْن، وإدْرَارِ البَوْلِ، والجرح السَّائِلِ، فالمشهور أن الخروج لَهُ لا يقطع التَّتَابع لاضطراره إليه، كالخروج لِلْحَيْضِ، وحكى الإمام عن بعض الأصْحَاب طرد القولين فيه. وإذا تأملت ذلك عرفت أن لفظ الكتاب وإن كان مطلقاً في حكاية الخلاف، فالضَّرْب الأول غَيْر مُراد منه، والثاني: مراد، وفي الثَّالِث الطَّرِيقان فهو على المَشْهُور غير مُرَاد أيضاً.
(الثانية): لو خرج ناسياً هَلْ ينقطع تَتَابُعُه؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، لأن اللبس مأمور به، والنِّسيان ليس بعذر في تَرْكِ المَأْمُورَاتِ.
وأصحهما: لا، كما لا ينقطع بالجِمَاع نَاسِيًا، وكما لاَ يَبْطُل الصَّوْمُ بالأَكْلِ والجِمَاعِ نَاسِياً، واقتصر كثيرٌ من الأئمة على إيراد هذا الثَّاني، ومن أورد خلافاً عَبَّر عنه بالوجهين، ولفظ القولين في هذه الصُّورة مَحْمُول على أن الخِلاَف مُخَرَّجُ من الخِلاَف في المرض، ومثل ذلك قد يسمى قولاً على ما سبق، وفي عبارة الإمام ما يبين ذَلِكَ فإن قلنا بالوجه الثاني، فَذَلِكَ فيما إذَا تَذَكَّرَ عَلَى القُرْب، أما إذا طَالَ الزَّمَانُ، فقد قالَ في "التتمة": فيه وجهان كالوجهين في بُطْلاَن الصَّوْمِ بالأكْلِ الكَثيرِ نَاسِياً.
الثالثة: لو أكره حتى خرج ففيه قَوْلاَن كالقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ أكره وَهُوَ صَائِم، والذي أجاب به الجُمْهُور أنه لا ينقطع التتابع، ولو أخرجه السُّلْطَان ظُلْمًا في مصَادَرَةٍ وغيرها، أو خاف من ظَالِم فخرج واستتر فعلى القولين، لأنه لم يخرج بِدَاعية نَفْسِهِ، ولو أخرج لَحَقِّ توجه عليه وهو يماطل به بطل اعتكافه؛ لأن التَّقْصِير منه، ولو أخرج لإقامة حَدٍّ عليه فسيأتي، ولو حمل فأخرج لم يبطل اعتكافه؛ كما لو أوجر الصَّائم الطعام لا يَبْطُل صَوْمُه، ورأى الإمَامُ تَخْرِيجَه عَلَى الخلاف لحصول المفارقة عَنِ المَسْجِدِ بِعَارِضِ غير غالب.