للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدخل فيه ما إذا جاوز عَالِماً، وما إذا جاوز جاهلاً أو ناسياً والأمر على هذا الإطلاق فيما يرجع إلى لزوم الدم؛ لأنه مأمور بالإحْرَام من الميقات، والنسيان ليس عذراً في ترك المأمورات، كالنية في الصَّوْمِ والصلاة، بخلاف ما إذا تَطَيَّب أو لبس ناسياً فإنهما من المَحْظُورَات، والنسيان عذر فيهما كما في الأكل في الصَّوْم والكلام في الصَّلاة.

وأما الإساءة فهي ثابتة على الإطلاق أيضاً إن أراد بكونه مسيئاً كونه مقصراً، وإن أراد الإثم فَلاَ إِثْمَ عِنْدَ الجَهْلِ والنسيان.

ويجوز أن يعلم قوله: (وعليه الدم) بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة -رحمه الله- الجائي من طريق المدينة إذا لم يكن مدنياً لو جاوز ذا الحُلَيْفَة وأحرم من الجُحْفَة لم يلزمه دَم، ويروى ذلك في حق المدني وغيره.

المسألة الثانية: الإحرام من الميقات أَفْضَل أو مما فوقه؟ روى البويطي والمزني في الجامع الكبير أنه من الميقات أَفْضَل، وبه قال مَالِكٌ وأحمد.

وقال في "الإملاء": الأحب أن يحرم من دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وبه قال أَبُو حَنِيفة، وللأصحاب طريقان:

أظهرهما: أن المسألة على قولين:

أحدهما: أنه لا يستحب الإحْرَام مما فوقه: "لَأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يُحْرِمْ إِلاَّ مِنَ الْمِيقَاتِ" (١) ومعلوم أنه يحافظ على ما هو الأفضل، ولأنَّ في الإحْرَام فوق الميقات تغريراً بالعباد؛ لما في مصابرته والمحافظة على واجباته من العسر ولهذا المعنى أطلق مطلقون لفظ الكراهة عالى تقديم الإحرام عليه.

أظهرهما: أن الأحب أن يحرم من دؤيرة أهله لأن عمر وعليا رضي الله عنهما فسرا الإتمام في قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله بذلك) (٢).

وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَحْرَمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ" (٣).


(١) قال الحافظ ابن حجر (٢/ ٢٢٩) لم أجده مرويّاً هكذا عند أحد، وكأنه أخذ بالاستقراء من حجته ومن عمره، وفيه نظر كبير.
(٢) سورة البقرة، الآية ١٩٦. وأثر على أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٢٧٦)، والبيهقي (٥/ ٣٠)، وانظر التخيص (٢/ ٢٨٨).
(٣) أخرجه أحمد (٦/ ٢٩٩) وأبو داود (١٧٤١) وأخرجه ابن ماجة (٣٠٠١) وابن حبان، ذكره الهيثمي في الموارد (١٠٢١)، والطبري في الكبير (٢٣) رقم (٨٤٩، ١٠٠٦) والدارقطني (٢/ ٢٨٢، ٢٨٣) والبيهقي (٥/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>