أصحهما: نعم، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن إحْرَامه قد انعقد، وأتى بعده بالأعمال الواجبة، لكن يلزمه دَمُ؛ لتركه الإحْرَام من المِيقَات.
والثاني: أنه لا يجزئه ما أتى به؛ لأن العُمْرَة أحدُ النُّسُكَين، فيشترط فيه الجَمْعُ بين الحِلِّ والحَرَمِ، كما في الحج، فإن الحَاجَّ لاَ بُدَّ له من الوُقُوفِ بعرَفَة، وأنها من الحِلِّ.
التفريع: إن قلنا بالأول فلو وطئ بعد الحَلْقِ لم يلزمه شَيْءٌ، لوقوعه بعد التَّحَلُّل، وإن قلنا بالثاني فالوطء وَاقِعٌ قَبْلَ التحللُ، لكنه يعتقد كونه بعد التحلل، فهو بمثابة وَطْءِ النَّاسي، وفي كونه مفسداً قولان سيأتي ذكرهما، فإن جعلناه مفسداً فعليه المُضِي في الفَاسِد، بأن يخرج إلى الحِلّ ويعود فيطوف ويسعى ويحلق، ويلزمه القضاء وكفارة الإِفْسَاد، ويلزمه دَمٌ لِلْحَلْقِ أيضاً؛ لوقوعه قبل التحلل.
والحالة الثانية: أن يخرج إلى الحِلِّ ثم يعود فيطوف ويسعى، فيعتد بما أتى به لا مَحَالة، وهل يسقط عنه دم الإِسَاءة؟ حكى الإمام -رحمه الله- فيه طريقين:
أحدهما: تخريجه على الخِلاَف المذكور في عَوْدِ من جاوز المِيقَات إليه غير محرم.
والثاني: القطع بالسقوط، فإن المُسِيئَ هو الذي ينتهي إلى الميقات على قَصْدِ النُّسُكِ، ثم يجاوزه، وهذا المعنى لم يوجد هَاهُنا، بل هو شبيه بمن أحرم قبل الميقات، وهذا هو الذي أورده الأكْثَرون، فعلى هذا الواجب هو خروجه إلى الحِلِّ قبل الأعمال، إما في ابتداء الإحرام أو بعده.
وإن قلنا: لا يسقط الدم، فالواجب هو الخروج في ابتداء الإحْرَام، وقد أشار إليه في "الوسيط" فقال: ولو بخطوة في ابتداءِ الإحرام أو دوامه على رأى، وإذا كان كذلك فَلْيُعَلَّم قوله:(في ابتداء الإحرام) بالواو، ثم قوله:(فإن لم يفعل لم يعتد بعمرته على أحد القولين)، ظاهر اللفظ يقتضي كون الاعتداد بأفعال العمرة على القولين إذا لم يخرج إلى الحِلِّ في ابتداء الإحْرَام، وليس كذلك، بل موضع القولين ما إذا لم يخرج لا في الابتداء ولا بعده، حتى أتى بالأعْمَال فَلْيُؤَوَّل.
وقوله:(لم يعتد)، معلم بالحاء لما قدمنا.
وقوله أولاً:(إلا في حق المكي والمقيم بها) لا شك أن المراد من المكي الحاضر بمكة، فلو اقتصر على قوله:(في حق المقيم بمكة) لأغناه، ودخل فيه ذلك المكِّي.