إذا عرفت هذا كله، وعدت إلى المسألة الثالثة من مسائل الإحرام المشبه بإحرام الغير، وهي أن يتعذر الوقوف على إحرام ذلك الغير، فاعلم أنها ما حكاه صاحب الكتاب وطائفة بمثابة نسيان ما أحرم به، ففيها القولان القديم والجديد، وقال الأكثرون: لا يَتَحَرَّى بحالِ بل ينوي القَرَان، وحكوه عن نَصِّه في القديم، والفرق في مسألة النسيان حَصَلَ الشَّكُ فِي فِعْلِهِ فله سَبيلٌ إلى التحري والتذكير، وفي المسألة الأخرى الشَّك فِي فِعْلِ الغَيْرِ، ولا سبيل إلى الاطلاع على نيته والتحري في فعله، فأعلم لهذا قوله: في الكتاب: (فو كما لو أحرم مفصلاً) بالواو، ويجوز أن يعلم قوله:(فالقول الجديد) بالواو؛ لما حكينا من الطريقة النَّافِيَة للخلاف عن الشَّيْخِ أَبِي عَلِي.
وقوله:(ولكن يبني على اليقين، فيجعل نفسه قارناً) مشعر بما هو المشهور، وهو أنه يصير قارناً بأن ينويه خلافاً لما حكاه الحَنَّاطِي: أنه يصير قارناً من غير نية، ويجوز أن يعلم بالواو لِذَلك، وأعلم بالألف أيضاً؛ لأن عند أحمد يتخير بين أن يجعله حجّاً أو عمرة، لأن عنده فسخ الحَجِّ إلى العمرة جَائِز، لكن هذا الإعلام إنما كان يحسن أن لو ألزمناه جَعْلَ نَفْسِه قارناً وهو غير لازم، وقد أوضح إمام الحرمين -رحمه الله- ذلك، فقال: لم يذكر الشافعي -رضي الله عنه- القرآن على معنى أنه لا بد منه، لكن ذكره ليستفيد الشَّاك به التحلل مع براءة الذِّمَّة عن النُّسُكَيْنِ، فلو اقتصر بعد النِّسيان على الإحرام بالحَجِّ، وأتى بأعْمَالِهِ حصل التَّحَلّل لا محالة، وتبرأ ذمته عن الحَجِّ؛ لأنه إن كان محرماً بالحَجِّ فذاك، وإن كان محرماً بالعُمْرَة فقد أدخل الحَجِّ عليها ولا تبرأ ذمته عن العُمْرَة؛ لجواز أنه كان من الابتداء محرماً بالحَجِّ، وعلى هذا القياس لو اقتصر على الإحْرَام بالعمرة، وأتى بأعمال القرانِ حَصَلَ التحلل، وبرئت ذِمَّتُهُ عن العُمْرَةِ، إن جَوَّزْنَا إدْخَالَ العمرة على الحَجِّ؛ لأنه إما محرمٌ بِهَا في الابتداء، أو مُدْخِلٌ لَهَا عَلَى الحَجِّ، ولا تبرأ عن الحَجِّ، لجواز أنه كان من الابتداء محرماً بالعمرة ولم يحرم بغيرها، ولو لم يجدد إحراماً بعد النسيان واقتصر على الإتيان بأعمال الحَجِّ يحصل التحلل أيضاً، ولكن لا تبرأ ذمته عن أحد النُّسُكَينِ؛ لشكه فيما أتى به، وإن اقتصر على أعمال العُمْرَةِ، فلا يحصل التَّحَلُّل، لجواز أنه مُحْرِمٌ يحرم بالحج، ولم يتم أعماله. واختلفت رواية أصحابنا عن أبي حنيفة في المسألة، فنقل ناقلون عنه موافقة الجديد، منهم صاحب "الشامل"، وناقلون موافقة القديم، ومنهم صاحب "التهذيب".
والرواية الثانية تقتضي إعلام قوله:(لا يأخذ بغلبة الظن) بالحاء، وقوله فيما إذا شك بعد الطواف:(فطريقة أن يسعى ويحلق إلى آخره) مشعر بالترخص فيه، والأمر به كما قدمناه عن ابْنِ الحَدَّادِ، وقد صرح باختيار ذلك في "الوسيط". ووجهه الشيخ أَبُو عَلِيٍّ بأن الحلق في غير وقته قد يباح بالعذر، كما إذا كان به أذىً من رأسه، وضرر الاشتباه لو لم يحلق أكثر لفوات الحَجِّ، لكن الأظهر عند الأكثرين: أنه لا يؤمر به على