للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكروا هاهنا الخلاف الذي سبق في صَرْفِ الطواف عن النُّسكِ إلى جِهَة أخْرَى، ولعل الفرق أن الطَّواف قربةٌ برأسها بخلاف الوُقُوفِ، قال: ولا يمتنع طرد الخلاف فيه.

وأما المكان ففي أي مَوْضِعٍ وقف من عَرَفَة أجزأه، روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ عَرَفَةٍ مَوْقِفٌ" (١). وبين الشافعي -رضي الله عنه- حَدَّ عرفة فقال: "هي ما جاوز وَادِي عَرَنَةَ إلى الجِبَالِ القَابِلَةِ مما يلي بساتين بَنِي عامر" وليس وادي عرنة من عرفة وهو على منقطع عرفة مما يلي منى وصوب مكة، روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ "وَارْتَفِعُوا عَنْ وَادِي عُرَنَة" (٢).

ومسجد إبراهيبم عليه السلام صَدْرَه من عرنة، وآخره من عَرَفَاتٍ، وبميز بينهما بِصَخَرَاتٍ كبار فُرِشَتْ هُنَاكَ، فمن وقف في صَدْرِه فَلَيْسَ واقفاً بعرفة، قال في "التهذيب": وثم يقف الإمام للخطبة والصَّلاة وجبل الرحمة في وسط عرصة عَرَفَاتٍ، وموقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنده معْرُوف.

وأما الزمان ففيه مسألتان:

إحداهما: وقت الوقوف يدخل بزوال الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ، ويمتد إلى طُلُوعِ الفَجْرِ يوم النَّحْرِ، وقال أحمد: يدخل وقته بطلوع الفجر يَوْم عَرَفَة؛ لما روى عن عروة بن مضرس الطَّائي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صَلَّى مَعَنَا هذِهِ الصلاة يَعْنِي الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ" (٣).

لنا: اتفاق المسلمين من عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ" (٤)، ولو جاز قبله لما اتفقوا على تَرْكِهِ، وبهذا يستدل على أن المراد من الخَبَرِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ.

إذا تقرر ذلك فلو اقتصر على الوقوف ليلًا كان مدركاً للحج على المَذْهَب المَشْهُورِ.


(١) يقال: نَدَّ البعير ندّاً من باب ضرب، ونداداً بالكسر ونديداً نَفَرَ وذهب على وجهه شارداً فهو نَاد. المصباح المنير (٢/ ٨٢٠).
(٢) أخرجه مسلم (١٢١٨).
(٣) أخرجه ابن حبان، ذكره الهيثمي في الموارد (١٠٠٨)، وعزاه الحافظ في التلخيص لابن ماجة من حديث جابر بلفظ "بطن عرنة" وفي إسناده القاسم بن عبد الله بن عمر العمري، كذبه أحمد، وأخرجه مالك بلاغاً بهذا اللفظ، وانظر بقية التخريج في التلخيص (١/ ٢٥٥).
(٤) أخرجه أحمد (٤/ ٢٦١، ٢٦٢) وأبو داود (١٩٥٠) وأخرجه الترمذي (٨٩١)، وقال: حسن صحيح، والنسائي (٥/ ٢٦٣) وابن ماجة (٣٠١٦) والدارقطني (٢/ ٢٤٠) والحاكم (١/ ٤٦٣) واليهقي (٥/ ١١٦) وابن حبان، ذكره الهيثمي في الموارد.

<<  <  ج: ص:  >  >>