للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل الإمام -رحمه الله- عن بعض التَّصَانِيفِ فيه قولين واستبعده.

وعن شيخه أن الخِلاَفَ فيه مخصوصٌ بما إذا أنشأَ الإحرام ليلة النحر، فإذا لخص ذلك خرج منه ثلاثة أوجه كما ذكر في "الوسيط".

أصحها: أن المقتصر على الوقوف ليلاً مدركٌ، سواء أنشأَ الإحرام قبل لَيْلَةِ العيدِ أَوْ فِيهَا، وكلاهما جائز.

والثاني: أنه ليس بُمْدرِكٍ على التقديرين.

والثالث: أنه مُدْرِكٌ بشرط تقديم الإحْرَامِ عَلَيْهَا، ولو اقتصر على الوقوف نهاراً وأفاض قبل الغُروب كان مدركاً وإن لم يجمع بين الليل والنَّهار في الوقوف، وقال مالك: لا يكون مدركاً.

لنا: خبر عُرْوَة الطَّائِي، وأيضاً فإنه لو اقتصر على الوقوف ليلاً كان مدركاً، فكذلك هَاهُنا، وهل يُؤْمَرُ بإراقة دَمٍ؟ نظر إن عاد قبل الغُرُوب، وكان حاضراً بها حين غربت الشَّمْسُ فَلاَ، وإن لم يَعُدْ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ فَنَعَمْ، وهل هو واجب أو مستحب؟ أشار في "المختصر" و"الأم" إلى وجوبه، ونص في "الإملاء" على الاستحباب.

وللأصحاب ثلاثة طرق رَوَاها القَاضِي ابْنُ كَجٍّ.

أصحها: أن المسألة على قولين:

أحدهما -وبه قال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما الله-: وجوبُ الدَّمِ؛ لأنه ترك نسكاً (١)، وقد روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ تَرَكَ نُسْكاً فَعَلَيْهِ دَمٌ" (٢).

والثاني: أنه مستحب، قوله -صلى الله عليه وسلم- في خبر عروة: "فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ" ولأنه أدرك من الوُقُوفِ ما أجزأه، فلم يجب الدَّم، كما لو وقف لَيْلاً، وهذا أصَحُّ القولين، قاله المَحَامِلِيُّ والرّويَانِي -رحمهما الله- وغيرهما، وفي "التهذيب" أنه القولُ القَدِيمُ، فإن ثبتت المقدِّمَتَانِ فالمسألة مما يُفْتَى فيها على القولِ القديم، لكن أبو القَاسِم الكَرَخِيّ -رحمه الله- ذكر أن الوجوب هو القديم، -والله أعلم-.

والطريق الثاني: عن أبي إسحاق أنه إن أفاض مع الإمام فهو مَعْذُور، لأنه تابع، وإن انفرد بالإفاضة ففيه قولان:


(١) الأصل في ترك النسك إيجاب الدم إلا ما خرج بدليل، لأنه صح عن ابن عباس كما قاله في "شرح المهذب" أنه قال: من نسي نسكاً أو تركه، فلم يرق دماً وقيل: إن أفاض وحده لزمه دم، وإلا فقولان.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>