للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: نفي الوجوب والجزم بالاستحباب مطلقاً.

وإذا قلنا: بالوجوب فلو عاد ليلًا فوجهان:

أظهرهما: أنه لا شَيْءَ عليه، كما لو عاد قَبْلَ الغُرُوبِ وصَبَرَ حتى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.

والثاني: يجب، ويحكى هذا عن أَبِي حَنِيفَةَ وأحمد -رحمهما الله- لأن النُّسُكَ هو الجمع بين آخر النَّهَارِ وأول اللَّيْلِ بِعَرَفَةَ.

المسألة الثانية: إذا غلط الحَجِيج فوقفوا غير يوم عرفة: فإما أن يغلطوا بالتأخير أو بالتقديم.

الحالة الأولى: أن يغلطوا بالتأخير بأن وقفوا اليوم التَّاسِع بعد كمال ذِي القِعْدَة ثلاثين، ثم بان لهم أن الهِلاَل كان قد أهل ليلة الثلاثين، وأن وقوفهم وقع في اليوم العَاشِرِ، فيصح الحَجِّ، ولا يلزمهم القضاء، لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "حَجُّكُمْ يَوْمَ تَحِجُّونَ" (١).

وروى أيضاً أنه قال: "يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي تُعْرِّفُ فِيهِ النَّاسُ" (٢)، ولأنهم لو تكلفوا القضاء لم يأمنوا مثله في القَضَاءِ، ولأن في إلزام القضاء مَشَقَّةَ عَظِيمَة؛ لما فيه من إحباط قَطْع المسَافَاتِ الطَّويلة، وإنفاق الأموال الكَثِيرة، وهذا إذ كان في الحَجِيج كثرة على المعتاد، فإن قَلُّوا على خلاف العادة أو لحقت شِرْذِمَةٌ يوم النحر فظنت أنه يوم عرفة، وأن النَّاس قد أفاضوا فوجهان:

أحدهما: أنه لا قضاء عليهم أيضاً؛ هم لا يأمنون مثله في القضاء.

وأصحهما: يجب؛ إذ ليس فيه مَشَقَّةٌ عَامة، وإذا لم يجب القَضَاء فلا فرق بين أن يتبين الحال بعد يوم الوقوف، أو في ذلك اليوم، وهم وقوفٌ بعد الزَّوَالِ، وإن تبين قبل الزَّوَالِ فوقفوا بعده، فقد قال في "التهذيب" المذهب أنه لا يُجْزِئُهُمُ، لأنهم وقفوا على يقين الفوات وهذا غير مُسَلَّم؛ لأن عامة الأصحاب ذكروا أنه لو قامت البينة على رؤية الهِلاَل ليلةَ العَاشِرِ وهم بمكة لا يتمكنون من حُضُورِ الموقف باللَّيْلِ يقفون من الغَدِ ويحتسب لهم، كما لو قامت البينة بعد غروب اليوم الثلاثين من رَمَضَانَ على رؤية الهلال يوم الثلاثين نَصّ أنهم يصلون من الغد للعيد، فإذا لم نحكم بالفوات لقيام الشَّهَادَةِ ليلة العَاشِر لزم مثله في اليوم العاشر، ولو شهد واحدٌ أو عدد برؤية هِلاَل ذِي


(١) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (٢/ ٢٥٧): لم أجده هكذا، أو بمعناه الحديث الآتي.
(٢) أخرجه أبو داود في "مراسيله" من رواية عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وقال البيهقي (٥/ ١٧٦): هذا مرسل جيد، وأخرجه الدارقطني (٢/ ٢٢٣ - ٢٢٤) وانظر التلخيص (٢/ ٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>