وأن يكون مستقبلَ القِبْلَةِ، وأن يُكَبِّرَ بَعْدَ الفَرَاغ، وأن يَدْفِنَ شَعْرَهُ، والأفضل إن حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ، وإن قَصَّرَ فأن يُقَصِّرَ الجَمِيعَ، أقل ما يُجْزِئُ حَلْقُ ثَلاَثِ شَعَرَاتٍ أو تَقْصِيرُهَا، وفيها تكمل الفدية، في الحَلْقِ المَحْظُور.
ولنا في تكميل الفِدْيَة في الشعرة الواحدة رَأَيٌ بَعِيدٌ، وهو عَائِدٌ فِي حُصُولِ النُّسُكِ بِحَلْقِهَا، ولو حَلَقَ ثَلاَثَ شَعَرَاتٍ في دفعات، أو أخذ من شَعْرَةٍ شَيْئاً، وعاد ثَانِياً، فأخذ مِنْهَا شَيْئاً، وعاد ثالثاً، وأخذ، فإن كملنا الفدية لو كان محظوراً قلنا بحصول النُّسُكِ بِهِ.
ولا فرق إذا قَصَّر بين أن يكون المأخوذ مِمَّا يحاذي الرأس أو من المُسْتَرْسِلِ، وفي وجه: لا يغني الأخذ من المُسْتَرْسِل اعتباراً بِالْمَسْحِ.
وقاله أبو حنيفة -رحمه الله-: أَقَلَّ مِنْ حَلْقِ رُبُعِ الرَّأْس.
وقال مالك: لاَ بُدَّ مِنْ حَلْقِ الأكْثَرِ، ولا يتعين لِلْحَلق والتقصير آلة، بل حكم النَّتْفِ والإحراق والإزَالة بالموسى والنورة والقَصّ وَاحدِ.
ومن لا شعر على رأسه يستحب له إمرار المُوسى على الرأس تَشَبُّهاً بالحالقين.
قال الشَّافعي -رضي الله عنه-: ولو أخذ من شَارِبِه أو شعر لحْيَتِهِ شيئاً كان أحب إليّ لئلا يخلو من أخذ الشعر وعند أبي حنيفة -رحمه الله- يجب إمرار الموسى على الرَّأسِ. لنا: أن العبادة إذا تَعَلَّقَتْ بِجُزْءٍ من البَدَنِ سقطت بفواته كغسل الأعضاء في الوُضُوءِ. وجميع ما ذكرنا فيما إذا لم يلتزم الحلق أما إذا التزمه فنذر الحلق في وقته تَعَيَّن، ولم يقم التقصير مقامه، ولا النَّتْف، ولا الإحراق، وفي استئصال الشعر بالمقص وإمرار الموسى من غير استئصال تردد للإمام، والظاهر المنع لفوات اسم الحلق.
ولو نذر استيعاب الرأس بالحلق ففيه تردد عن القَفَّال، ولها أخوات تذكر في النذور، ولو لبد رأسه في الإحْرَام فهل هو كالنذر؟ لأن ذلك لا يفعله إلا العَازِم على الحَلْق؟ فيه قولان: الجديد: لا، وهما كالقولين في أن التَّقْلِيد والإشْعَار هل ينزل منزلة قوله جَعَلْتُهَا ضَحِيَّة؟ -والله أعلم-.
والأصل الثاني: أن أعمال الحَجِّ يوم النحر إلى أن يعود إلى مِنّى أربعة على ما أسلفنا ذِكْرَهَا: رمي جمرة العقبة، والذبح، والحَلْق والتَّقصير، والطَّوَاف، وهذا الطواف يسمى طَوَافُ الرُّكْنِ، لأنه لا بد منه في حُصُولِ الحَجِّ، ويسمى طَوَافُ الإِفَاضَةِ للإتْيَانِ بِهِ عُقَيْبَ الإفَاضَةِ مِنْ منًى، وطواف الزِّيارة؛ لأنهم يأتون من مِنًى زائرين لِلْبَيْتِ، ويعودون فيَ الحَالِ، وربما سُمِّي طواف الصَّدْرِ أيضاً.
والأشهر: أن طواف الصدر هو طواف الوَدَاع، والترتيب في الأعمال الأربعة على النَّسَقِ المذكور مَسْنُونٌ، وليس بواجب.