للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما: أنه مسنون فُلأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَذلِكَ فَعَلَهَا" (١).

وأما أنه ليس بواجب فلما روى عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "وَقَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاع بِمِنًى لِلنَّاس يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ ولاَ حَرَجَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إِنِّي أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ، وَأتَاهُ آخَرُ وَقَالَ: إِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أن أَرْمِيَ، فَقَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ، فَمَا سُئِل عَنْ شَيْءٍ قَدَّمَ أَو أخَّرَ ألاَّ قَالَ افْعَلْ وَلاَ حَرَج" (٢).

فلو ترك المبيت بمزدلفة، وأفاض إلى مَكَّةَ وطاف قبل أن يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ، أو ذبح قَبْلَ أن يرمي ويحلق، أو ذبح قبل إن يرمي، فلا بأس ولاَ فِدْية، ولو حلق قبل أن يرمي وقبل أن يطوف فإن جعلنا الحلق نُسكاً فلا بأس، وإن جعلناه استباحة محظورٍ فعليه الفدية؛ لوقوع الحَلْقِ قبل التحلل. وروى القاضي ابْنُ كَجٍّ أن أبا إسْحَاقَ وَابْنَ القَطَّانِ -رحمهم الله- ألزماه الفدية وإن جعلنا الحَلْقَ نُسكاً، والحديث حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا، ومؤيد القول الأَصَح وهو أن الحَلْقَ نُسُكٌ.

وعن مالك وأبي حنيفة وأحمد -رحمهم الله- أن الترتيب بينهما وَاجِبٌ، ولو تركه فَعَلَيْهِ دَمٌ على تفصيل يذكرونه.

واعلم أن ما قدمناه من قَطْعِ الحَاجِّ التلبية إذا أخذ في الرَّمْي مصور فيما إذا جرى على الترتيب المسنون، فإن بدأ بالطواف أو بالحلق إن جوزناه فيقطع التلبية حِينئذٍ، نظراً إلى أنه أخذ في أسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وكذلك نقول: المعتمر يقطع التلبية إذا افتتح الطَّوَاف.

والأصل الثالث: أن المستحب أن يرمي بعد طُلوع الشَّمْسِ ثم يأتي بِبَاقِي الأَعْمَالِ، فيقع الطَّوَاف فِي ضَحْوَةِ النَّهَارِ، ويدخل وَقْتُهَا جَمِيعاً بانتصاف لَيْلَةِ النَّحْرِ، وبه قال أحمد. وعن أبي حنيفة ومالك: أن شيئاً منها لا يجوز قبل طُلوعِ الفَجْرِ.

لنا: ما روي أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أمر أم سلمة ليلة النحر فَرَمَتْ جمرة العَقَبَةِ قَبْلَ الفَجْرِ، ثم مضت، ثم أَفَاضَتْ، وكان ذلك يومها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٣).

ومتى يخرج وَقْتُهَا؟ أما الرمي: فيمتد وقته إلى غروب الشمس يوم النحر، وهل يمتد تلك الليلة؟ فيه وجهان:

أصحهما: لا.


(١) أخرجه مسلم من رواية جابر إلاَّ الحلق، فإنه أخرجه عن رواية أنس مسلم (١٢١٨)، و (١٣٠٥).
(٢) أخرجه البخاري (٨٣، ١٢٤، ١٧٣٦، ١٧٣٧، ١٧٣٨، ٦٦٦٥) ومسلم (١٣٠٦).
(٣) أخرجه أبو داود (١٩٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>