للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الذَّبْحُ: فَالْهَدْيُ لا يختص بزمان، ولكن يختص بالحرم، بخلاف الضَّحَايَا، تختص بالعيدِ وأيام التشريق، ولا تختص بالحَرَمِ.

وأما الحلق والطواف فلا يتأقت آخرهما، لكن لا ينبغي أن يخرج من مَكَّةَ حتى يطوف، فَإِنْ طاف لِلْوِدَاعِ وخرج وَقَعَ عَنِ الزِّيَارَةِ، وإن خرج وَلَمْ يَطُفْ أصْلاً لم تحل له النِّسَاء، وإن طال الزمان، وقضية قولهم لا يتأقت الطَّواف من الطَّرَفِ الآخر أن لا يصير قضاءً، لكن في "التتمة": أنه إذا تأخر عن أيام التَّشْرِيقِ صَارَ قَضَاءً.

وعن أبي حنيفة -رحمه الله- أخر وقت الطَّواف آخر اليوم الثاني من أيام التشريق.

إذا عرفت هذه الأصول فنقول: للحج تَحَلُّلاَنِ، وللعُمْرَةِ تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ.

قال الأئمة -رضي الله عنهم-: وذلك لأن الحَجَّ يطول زَمَانُه، وتكثر أَعْمَالُه بِخِلاَفِ العُمْرَةِ، فأبيح بعض محظوراته دفعة واحدة، وبعضها أخرى وهذا كالحيض والجنابة لما طال زَمَانُ الحَيْضِ جعل لارتفاع محظوراته محلان: انقطاع الدم، والاغتسال، والجنابة لما قَصُرَ زَمَانُهَا جُعِلَ لارتفاع محظوراتها محل واحد.

ثم الكلام في فصلين:

أحدهما: فيما يحصل به التحلل.

أما الحَجَّ: فأسباب تحلله غير خارجة عن الأعْمَال الأَرْبَعَةِ، والذَّبْحُ غَيْرُ معْدُودٍ مِنْهَا؛ لأنه لا يتوقف التحلل عليه.

بقي الرمي والحلق والطواف، فإن لم نجعل الحَلْقَ نسكاً، فللتحلل سببان: الرمي والطواف، فإذا أتى بأحدهما يَحْصُل التحلل الأول، وإذا أتى بالثَّاني حصل الثَّانِي، ولا بد من السَّعْي بعد الطواف إن لم يَسْعَ مِنْ قَبْلِ، لكنهم لم يفردوه وَعَدُّوهُ مَعَ الطَّوَافِ سبباً وَاحِداً، وإن جَعَلْنَا الحَلقَ نسكاً فالثلاثة أسباب التحلل، فإذا أتى باثنين منها إما الرمي والحَلْق، أو الرمي والطواف أو الحلق والطَّواف حصل التحلل الأول، وإذا أتى بالثَّالِثِ حَصَلَ الثَّانِي، قال الإمام وشيخه: وكأنا نبغي التنصيف، لكن ليس للثلاثة نصف صحيح، فنزلنا الأمر على اثنين كما صنعنا في تمليك العبد طلقتين ونظائره.

هذا ما أورده عامة الأصْحَاب، واتفقوا عليه، ووراءه وجوه مَهْجُورة:

أحدها: عن أبي سَعِيد الإصْطَخْرِيِّ: أن دخول وقت الرمي بمثابة نفس الرمي في إفادة التحلل.

الثاني: عن أَبِي قَاسِم الدَّارِكِيِّ: أنا إن جعلنا الحلقَ نسكاً حصل التَّحَلُّلاَنِ معاً بالحَلْقِ والطَّوَافِ، وبالرَّمْي والطَّوَافِ، ولا يحصل بالحَلْقِ والرَّمْي إلا أحدُهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>