قلنا بالأول، فللولي تَحْلِيلُه كما سيأتي، وليس له أن يُحْرِمَ عنه، وإن قلنا بالثاني فهل لِلْوَليِّ أن يحرم عنه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، للاستغناء بعبارته.
والثاني: نعم؛ لأنه مُوَلَّى عليه بدليل عدم الاستقلال، قال الإمام -رحمه الله- وهذا ظَاهِرُ المَذْهَبِ.
وإن لم يكن مميزاً أحرم عنه وَلَيُّه، سواء كان مُحِلاًّ أَوْ مُحرِماً، وسواء حَجَّ عن نفسه أم لا، ولا يشترط حضور الصبي ومواجهته في أصح الوجهين، والمجنون كالصَّبِيِّ الذي لا يميز يحرم عنه وليه، وذكر القَاضِي ابْنُ كِجٍّ والحَنَّاطِي -رحمهم الله-، أنه لا يجوز الإحْرَامُ عَنْهُ، إذ ليس له أَهْلِيَّةُ العِبَادَاتِ، والمغمى عليه لا يحرم عنه غيره؛ لأنه لَيْسَ بِزَائِلِ العَقْلِ، وبروءه مرجو على القُرْبِ.
وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: إذا أغمي عَلَيْهِ في الطريق أَحْرَمَ عَنْهُ رُفَقَاؤُهُ.
فإن قلت: ومن الولي الذي يحرم عن الصَّبِيِّ أو يأذن له؟
قلنا: الأب يتولى ذلك، وكذا الجد وإن علا عِنْد عَدَمِ الأب، ولا يتولاه عند وجوده وفيه وجه تخريجاً مما إذا أسلم الجد والأَب كافر يتبعه الطِّفل عَلَى رأي وفي الوصي والقَيِّمِ وجهان:
أحدهما: إنهما لا يتوليانه؛ لأنه تصرف في نَفْسِهِ كما لا يليان النِّكَاحِ.
والثاني: أنهما يتوليانه كالأَب والجد؛ لأنهم جميعاً يتصرفون في المَالِ ويراعون مصالحه، والأول أَرْجَح عِنْدَ الإمَامَ، لكن العراقيين من أصْحَابِنَا أجابوا بالثَّانِي، وذكروا وجهين في الأخِ والعَمِّ إذا لم يكَن لَهُمَا وصايا وإذن من الحَاكِم.
أظهرهما: المنع، وفي "الأم" طريقان.
أحدهما: أن إحرامها عن الصَّبِيَّ مبنيٌّ على ولايتها التصرف في مَالِهِ، وفيه اختلاف قال الإصْطَخْرِيُّ: تليه، وقال عامة الأصحاب لاَ تَلِيه.
والطريق الثاني: القطع بأنها تحرم، واحتجوا له بخبر ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي رويناه في أول الفصل، وقالوا: الظاهر أنها كَانَت تحرم عن الذي رفعته من المحفة وبهذا الطريق أجاب صَاحِب الكتاب، والأول أشْبَهُ بكلام الأكْثَرِين.
وأما الأفعال فَمَتَى صَارَ مُحْرِماً بإحرامه أو بإحرام الوَلِي أتى بِمَا يَقْدِرُ عَلَيهِ بنفسه، ويفعل به الولي ما يَعْجَزُ عنه، فإن قدر على الطَّواف عُلِّم حتى يطوف، وإلا طِيفَ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ، والسَّعْيُ كالطَّوَافِ، ويصلي عنه الولي ركعتي الطواف إذا لم يكن مميزاً،